قال تعالی: ـ أعُوذ بِالله مِن الشَیطَانِ الرَّجِیم ـ « لقَدْ مَنَّ الله عَلی المُؤمِنِینَ إذ بَعَثَ فِیهِم رَسُولاً مِن أنفسِهِم یَتْلُو عَلِیهم آیاتِه ویُزَکِّیهم ویُعَلّمُهُم الکِتَابَ والحِکمَةَ وإن کانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِین»[آل عمران \164 ]الموضوع الذي أحدثکم في هذه الجلسة المبارکة هو مسألة الطالب المثالي :من هو الطالب المثالي والحقیقي؟ هوالذي یلعب […]

قال تعالی: ـ أعُوذ بِالله مِن الشَیطَانِ الرَّجِیم ـ « لقَدْ مَنَّ الله عَلی المُؤمِنِینَ إذ بَعَثَ فِیهِم رَسُولاً مِن أنفسِهِم یَتْلُو عَلِیهم آیاتِه ویُزَکِّیهم ویُعَلّمُهُم الکِتَابَ والحِکمَةَ وإن کانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِین»[آل عمران \164 ]
الموضوع الذي أحدثکم في هذه الجلسة المبارکة هو مسألة الطالب المثالي :
من هو الطالب المثالي والحقیقي؟ هوالذي یلعب دوراً کبیراً في توجیه الأمة وتوجیه الأیام وتوجیه القادة. فما هي العناصر الّتي تکوّن طالباً مثالیاً وحقیقیاً، حتی یکون زعیماً وقائداً في المستقبل، هو موضوع یسهر لأجله المعلمون والقادة والمشفقون لحال الأمة ولمستقبلها، موضوع هامّ وجدیر بالعنایة: موضوع یقضي فیه الطالب عمره بالتفکیر والعنایة لیکون له السعادة والفلاح والنجاح، الطالب لا یمکن أن یتقدم ویصل إلی بغیته المنشودة وهدفه السَّامِي إلا إذا تمسَّك بالعناصر التي نداوم في شرحها الخطاب.
الصفة الأولى التي لابد أن یتمسَّك ویتحلیٰ بها ویعضَّ علیها بالنواجذ هي الإخلاص لله عز وجل فلابد أن یکون الطالب مخلصاً لله عزوجل و مجاهداً في درسه وتعلمه وحرکته للوصول إلی الله عزوجل حتی النجاح.
إن الطالب یواجه في مسیره وتحقیق أهدافه صعوبات کثیرة فیشعر بالملل والکسل ویصیب بالخیبة والإخفاق في الأمل وإنّه غافل أن معظم الصعوبات في طریقه إنما یأتي لعدم إخلاصه والطالب إذا کان مخلصاً لا یشعر بالملل والخیبة بل هو نشیط دائماً ، یعمل لأجل تحقیق أهدافه وآماله ویسهر اللیالي ولایثنیه شيء، فالمشاکل المزعجة لا تضطربه بل هو یصبر ویکافح جمیع المشاکل،إنّ الإخلاص یشحن بطاریة الإیمان والمعنویة کالشاحن للجوال ، ویدفع الطالب إلی الأمام و یؤتیه نشاطاً وثقة بالنفس.
کثیراً ما نسمع من الطلبة یشکون بأنهم أصیبوا بالإحباط والفشل أو الکسل، فما هو الحل وبأي وسیلة نتوسل؟ الوسیلة أن نعود إلی الإخلاص في نیّاتنا ونتعاهد بالله عزوجل ونجعل بیننا وبینه عهداً وثیقاً ونطهِّر أنفسنا وبواطننا من الرذائل لأنّ النیات الفاسدة تأتي بالإخفاق والخيبة.
إنّ المجتمع الإسلامي یواجه ما یواجهه الطالب: حینما نراجع إلی حدیث سیدنا رسول الله ـ صلی الله علیه وسلم ـ نشاهد حرصه علی إیجاد الإخلاص في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ و رویٰ مسلم عن النبي ـ صلی الله علیه وسلم ـ أنه قال: «إنّ اللهَ لایَنْظرُإلی صُوَرِکُم وأموَالِکُم ولکِنْ یَنْظرُ إلی قُلُوبِکُم وأعْمَالِکُم.»
إنّ رحمة الله إذا انخلع عن عبد سیصیب بالإخفاق وسیواجه المشاکل الکثيرة فرحمة الله مع المخلصین و مع الذین أخلصوا وجوههم وأعمالهم وقلوبهم لله عزوجل وسلّوا السیوف وما رأوا إلّا الله عزوجل و قالوا نحن مع الله عزوجل، ولإیجاد الإخلاص طرق عدیدة منها: مطالعة کتب الحدیث کصحیح مسلم والبخاري وکتب الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ في معرفة الإخلاص وعلاج الریاء.
فما هي حقیقة الإخلاص؟ حتی نجعل أنفسنا في میزان النقد ثم نصلح مواضع ضعفنا فهل نحن من المخلصین أم مسيرنا وعاقبتنا یؤدي إلی الدمار، یقول الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ أنا ما عرفت الدین، وما عرفت الخیر من الشَّر إلٱ بعد المراجعة إلی کتب أبي طالب المکي والحارث المحاسبي .ومنها الاختلاط بالصالحین؛ و الإخلاص لیس شیئاً نقرأه ثم نتعلّمه، الإخلاص شيء یجري مجری قلب إلی القلب کسریان النار إلی الهشیم .ومنها المراقبة والخلوة مع الله عزوجل، ثم یراقب ما یمضي في ضمیره وما في قلبه ویحاسب نفسه ویحافظ علی حرکاته وسکناته إن أخطأ في النیة یؤدّب نفسه ویستغفر وإن نجا من الریاء والنفس یحمد ویشکر الله تعالیٰ، یقول عمرـ رضي الله عنه ـ «حاسِبُوا أنْفُسَکُم قَبْلَ أنْ تُحَاسَبُوا و زِنُوها قَبْلَ أنْ تُوزَنُوا،وتهیؤوا لِلعَرضِ الأَکبَر ».
الصفة الثانیة للطالب المثالي:هي أن یکون تاركاً للیأس والقنوط ویکون متیقّناً بالنجاح في المستقبل، کثیراً ما سمعنا بأنّ الطالب الفلاني تنحّی واعتزل عن الدرس وحینما نقول له لماذا تنحیت عن المسیر و بدّلت طریقاً محفوفاً بالأشواك بالطریق المعبّد والسويِّ ویقول: ما أیقنتُ بالنجاح لي في المستقبل، ولأجل هذا علی کل طالب أن یتوکل علی الله تعالیٰ ویجعل بینه وبین الله صلة وثیقة وعمیقة ،ونحن في مسیرنا وفي طریقنا نرید أن نکون کالغزالي وابن تیمیة وابن الجوزي بل کالصحابة ـ رضی الله عنهم ـ نقتدي آثارهم شبراً شبراً، لماذا؟ لأنّ الله تعالیٰ جعل السعادة في اتباعهم کما قال تعالیٰ «فَإِنْ آمَنُوا بِمِثلِ ما آمَنْتُم بِه فَقَد اهْتَدَوا»[بقرة\137]
إنّ الهدف الذي لا یشابه إیمان الصحابة هدف خاوٍ والصحابة والتابعــــــون ومن اتبعهم هم القدوة، کما وردت أحادیث کثیرة تشَجّع الاقتداء بالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
الصفة الثالثة للطالب المثالي هي:الهمة والاجتهاد وعدم إهدار الأوقات وتنظیم برنامج یومیّة حتیٰ في العطلات.
نعم إخوتي في الله قد یضیع کثیر من عمرنا مع أنَّ الحیاة فرصة آتاها الله تعالیٰ لنا، قال الإمام الشافعي : «صَحِبْــــــتُ الصُّوفِیَّةَ فَاسْتَفَدْتُ مِنْهُم ثَلَاث کلِمَات :قَولهُم :الوَقْتُ سیْفٌ إذَا لم تَقْطَعه قَطَعَکَ وقَولهُم :نَفْسکَ إنْ لم تَشْغلهَا بِالحَقِّ شَغَلَتْکَ بِالبَاطِلِ وقَولهُم العَدمُ عِصْمَة».
إذا کان الطالب یضع برنامجاً کاملاً لیومه، لساعاته ولثوانيه سیری النتیجة ولکن إذا ضیّع الأوقات سیکون له الخسران.
الصفة الرابعة :الکفاح والطموح وحمل آمال یحبها الله ورسوله فلابد للطالب أن یحمل هدفاً کبیراً و بقدر الهدف یسعی؛ إذا کان الطالب یرید أن یکون إمام قریة أو إمام مدینة أو إمام محافظة أو مدیریة أو أکثرمن ذلک یکون إجتهاده بقدر هدفه فیجب علینا أن نحفظ آمالاً کبیرة، آمالاً تشابه آمال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قولوا لي هل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ احتملوا آمالاً تشابه آمالنا؟ لا،بل الصحابة احتملوا آمالاً بقیت عبرالتاریخ والأزمان.
إنّ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ماتوا و فنيت أجسامهم ولکن خلدت ذکراهم وآثارهم.
الصفة الخامسة: رعایة الأدب والاحترام مع قوانین المدرسة، إنّ الطالب لا یمکن أن ینجح في تحقیق أهدافه ویصل إلی بغیته المنشودة وینال مراده إلا بالأدب فإذا لم يتأدب مع من ینبغي أن یتأدب معهم یکون عاقبته الخسران،الطالب المتــــــــــــأدب مـــــــع أساتذته ومـــــــع زملائه ومـــــــع جدران المدرســــــة حتی مـــــع الکناسین سیــــکون محط أنظـــار الأساتذة والدعـــــاء له،کما قیل«الدِّیُن کُلّهُ أدَب إنْ لم نَتَأَدَّب فلا نَصِیبَ لَنَا في الدِّین»:الهدف العالي والنصیب الأوفر یکون للطالب المتأدب،الأدب باطناً وظاهراً ولا یکون ذا وجهین.
الصفة السادسة :الدعاء والتضرع، إنّ الدعاء هو جسر وقنطرة إلى الله تعالیٰ وصِلة تصله إلی ما یرید ویروم وإن یألُ جهداً ینکسر الجسر ویصیر الطریق مسدوداً قال النبي صلی الله علیه وسلم :«إنَّه مَنْ لم یَسْأَل الله یَغْضَبْ عَلیه» کما أنّکم عرفتم الحقیقة وعلمتم بنتائجها سیکون النجاح حلیفکم و أتمنیٰ أن یؤیدکم الله تعالی و یوفقني وإیّاکم بالتمسک بهذه الطرق .
«والسَّلامُ عَلی مَن اتّبَعَ الهُدَی »

الکاتب: عارف شيخ جامي