کنت أفكر وأتساءل في قرارة نفسي عن الواقعات المؤلمة والحوادث الحزينة التي وقعت على الأمة الإسلامية! كانت نفسي تألم بأحوال المجتمع وحين كنت أتذكّرها أشعر بمضايقة في صدري. لماذا تسلّطت الأفكار الملوّثة والأعمال الرّذيلة على الأمة الإسلامية؟ لم هيمنت الأخلاق السيّئة والعقائد الفاسدة والبدع المنكَرة عليها؟ واستعلت الشهوات والشبهات وتنحدر الفتن عليها من كل أوْب […]
کنت أفكر وأتساءل في قرارة نفسي عن الواقعات المؤلمة والحوادث الحزينة التي وقعت على الأمة الإسلامية! كانت نفسي تألم بأحوال المجتمع وحين كنت أتذكّرها أشعر بمضايقة في صدري. لماذا تسلّطت الأفكار الملوّثة والأعمال الرّذيلة على الأمة الإسلامية؟ لم هيمنت الأخلاق السيّئة والعقائد الفاسدة والبدع المنكَرة عليها؟ واستعلت الشهوات والشبهات وتنحدر الفتن عليها من كل أوْب وصوْب وطفقت تعكف على المغريات والملهيات؟ ولأي سبب تحكّم القلق والاضطراب واليأس والقنوط على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-…؟!
أخذ الأخ يقتل أخاه والولد يعصي أباه!! كلهم يتقاتلون بكل جوارحهم. قد بادت الحرمات والكرامات، وتظهر أمارات القيامة الصغرى! وتوشك الأمة أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. هل تأخرت الأمة علما؟ لا أيم الله، هي متحضرة علما ولكن متأخرة عملا! وتعيش في هذا العصر الراهن عصر التكنولوجيا والشبكة الدولية والأقمار الصناعيّة بأجهزة حديثة ووسائل جديدة ولا تنزعج من فقدان المدنيّة. فأين الجواب؟ وأين الخلاص؟ قد وقعت في المستنقعات والمناقع! فهل من جارّ يجرها وهل من مادّ يمد يده إليها ويأخذ بيدها وينقذها من كل هذه؟! كانت تخطر ببالي آلاف أسئلة وشوّشت ذهني عدّة تساؤلات. وكنت أستقصي الحلول. ولم أجد حلّا إلّا القدوة السليمة.
نعم!! إنّ الأمة الإسلامية قد ابتعدت عن القرآن والسنة وأخذت تحتذي بالثقافة الغربية وحضارة الإلحاد واللادينية والعلمانية، وجعلتها أسوة لأيامها القادمة. فالقدوة أو الأسوة الحسنة هي العنصر الأساسي لبناء الحضارة وتقويم صرح الثقافة المشرفة على الانهيار، فترى الناس في زمننا هذا حيارى وسكارى وماهم بسكارى ولكنّهم في الواقع فقدوا ضالّتهم الفريدة التي أدّت إلى أنهم صاروا متخبّطين في القفار. دعوني أتحدث معكم عن الحل الوحيد. إن الأنبياء -عليهم السلام- قد جاؤوا ليُروا للبشرية الحياة السعيدة والسبيل المستقيمة وقد أتوا ليرشدوهم نحو السعادة الدائمة التي لا منتهى لها، وكانوا ذوي صفات جميلة وسمات متألقة. على سبيل المثال: إبراهيم -عليه السلام- الذي دأب على دعوة الناس إلى توحيد الله تعالى وعبادته ونهيهم عما سواه. إنه كان صاحب البذل والكرم والمجاهدة. وموسى صاحب شجاعة وبأس وزكريّا ويحيى وعيسى من أصحاب الزهد في الحياة والاستعلاء على الشهوات. وأما الان وصلنا إلى ما نحن بصدده وهو سيد المرسلين وشمس الهداية واليقين محمد -صلى الله عليه وسلم- قد كان نوعا فريدا من الرجال لم تعرف ولن تعرف البشرية له نظيرا في تاريخها الطويل. قد تجمّعت ميزات الأنبياء المرموقة فيه بأسرها. وسيرته قدوة في صفات الكمال كلها.
أخي العزيز انظر نظرة عابرة إلى سيرته المشرقة. سيرة الرسول تشمل جميع متطلّبات الحياة. ولم يترك الإسلام جانبا من الجوانب إلا وقد بين له علاجا وحلا. فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير من تقدر على أن تتّخذه قدوة لحياتك وتحذو حذوه وتترسّم خطاه. لما أنه عاش عيشة معتدلة لا يُرى فيه إفراط ولا تفريط ولا إسراف ولا تقصير. وقد اصطفى في حياته البسيطة المنهج الأعلى والدرب الصحيح الذي من اختاره واحتذى به أفلح ومن تولّى ولم يعتن به حرم وتاه وهلك. وقد قال الله تبارك وتعالى بوضوح في كتابه الكريم: “لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا”اﻷحزاب/۲۱.
فلك فيه أسوة. إن كنت معلما فانظر إليه وهو يعلم أصحابه في صحن المسجد وبين الفينة والأخرى كان -عليه السلام- يجمعهم في دار بن أبي الأرقم ويقرئهم القرأن ويرغّبهم في الأعمال الصالحة والأخلاق الكريمة ويغرس في أفئدتهم النّقيّة محبّة الجهاد في سبيله حتي تحققت آنذك فتوحات غزيرة وانتصارات كثيرة، وربى تلاميذ غلبوا على الإمبراطوريّات العملاقة، وأحرزوا نصرًا لدين الإسلام المبارك. وإن كنت فقيرا معدما فلتكن لك أسوة به وهو محصور في شعب أبي طالب ولما يدخل عليه ضيف -وهو يقري الضيوف- أحبّ إكرامه فانطلق إلى بيته ولكنه لم يجد فيه إلا الماء. ثم ساقه إلى الصحابة الكرام. وحين قدم إلى المدينة مهاجرا إليها من وطنه وهو لا يحمل من حطام الدنيا شيئا. وإذا كنت رعية ضعيفا، فلك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة أيام كان محكوما بمكة في نظام المشركين، ثم أخرج منها وصار ممنوعا من دخولها ومرجوما في الطائف ومطاردا يوم الهجرة. وأما إن تكن تلميذا متعلما فتصور مقعده بين يدي الروح الأمين جاثيا مسترشدا. مكرّرا ما يعلّمه ويتلو عليه كالطفل الصغير الأمّيّ الذي تتلمذ عند أستاذه، وكان عليه السلام عشيقا بلقياه وفارحا عند رؤياه، ويأنس بنزوله عند الكربات.
وإن تكن شابا فاقرأ سيرة راعي مكة وانظر إلى أيام حداثته كيف اشتهر فيها بالشاب الصادق الأمين الذي يؤدّي واجبه نحو الأمانة التي تدفع إليه ولا يغدر بها حتى وصل به الحال إلى أن اليهود والنصارى والمشركين لم يجدوا في مكة أحدا أفضل خلْقا وخُلقا وأمانة من محمد -صلى الله عليه وسلم-. يا لها من حداثة طيّبة!! ويا لها من شبيبة حسنة!! نتيجة لكل ما سبق إن المسلم بحاجة ماسّة إلى قائد تموج فيه المحاسن والفضائل وبريء من المعايب والمقابح ويعمل الأعمال الحسنة والأفعال الحميدة، وإذا وقع بصره عليه تذكّر الله. فلا تجد هذه الميزات المنشودة والسمات المرغوبة كاملة متكاملة في أحد إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وقد أحسن من قال فيه:
وأجمل منك لم تر قط عين…..وأكمل منك لم تلد النساءُ
خلقت مبرّأ من كل عيبٍ…..كأنك قد خلقت كما تشاءُ
للطالب: دانيال درويشي