المقدمة«إنّ الصلاة کانت علی المومنین کتاباً موقوتاً»أردت في مقالتي هذه أن ألقي ضوءاً علی العبادة و مكانتها في حياة البشر ثم النظر إلی الصلوة بمنظار علمي و روحي و شرعي لذا قدمت أولا تعريف الصلوة لغة و اصطلاحاً بإيجاز ثم فصلت بعض التفصيل ثم أوردت الفوائد العلمية ثم فقه الصلوة من حيث الشرع.فقد استولت علی […]
المقدمة
«إنّ الصلاة کانت علی المومنین کتاباً موقوتاً»
أردت في مقالتي هذه أن ألقي ضوءاً علی العبادة و مكانتها في حياة البشر ثم النظر إلی الصلوة بمنظار علمي و روحي و شرعي لذا قدمت أولا تعريف الصلوة لغة و اصطلاحاً بإيجاز ثم فصلت بعض التفصيل ثم أوردت الفوائد العلمية ثم فقه الصلوة من حيث الشرع.
فقد استولت علی الإنسان الغفلة و النسیان و قضی علیه من الدهر لم یکن له دورٌ في المجتمع و تلبّدت سماء فکره وأمله غیوم المادیة و نشرت رایاتها السوداء و خیّمت علی حیاته کانه الموتی لا حراک له و لا یهمّه شئٌ إلّا نفسه و صار الحیران لا استقرار له و لا الطمانینة و یخبط خبط عشواء في حیاته لأنّه فقد شیئاً رئیسیّاً من جوانب حیاته.
بذلک أصیب ما أصیب و ما زال هو عطشان و لم یجد ما یروّی به نفسه حتی یزول عطشه و أما الشیء المفقود من حیاته ؛ هي العبادة و العبادة لغةً هي تذلّل و من حیث الشرع هي أن یکون الإنسان عبداً لله و أن یضع جبهته أمام ربّه مطیعاً لأمره و أن یعفّر وجهه خالصاً له و
أن یعبد الله کأنّه یراه و إن لم یتیّسر له ذلک فإنّ الله یراه و یراقبه و علی العبد أن یتشبّث بأحکامه و یتناهی من مناهیه و أن یزرع في قلبه حبّه و أن یکون أشد حبّاً لله و ما ینتمي الیه جلّ و علا.
و العبادة من أهمّ الأمور في حیاة البشریّة و لیست أمراً علی هامش الحیاة بل في مرکزها ( بطنها ) و لابدّ أن یکون للبشر حظٌّ وافرٌ منها , لأنّ حیاته وعیشه لا یقدّر بثمن دون العبادة و إنّها المبدأ الأول الذي کتب الله علی بني آدم و أنزل کتبه و بعث رسله لأجلها کما هي واضحة لدی کل ذي عقل سلیم و قلب واع کرائعة النهار .
و کانت الصیحة الأولی في جمیع الرسالات السماويّ « أن اعبدوا الله » «أن اعبدا الله ما لکم من إله غیره »
« و ما خلقت الجنّ و الإنس إلّا لیعبدون , و ما أرید منهم من رزق و ما أرید أن یطعمون »
لا یجدر بالإنسان الذي آتاه الله العقل و الاختیار أن یکون غافلاً و أن لا یهمّه إلا الأکل و الشرب و التمتع بلذائذ الحیاة و علیه أن یمحوَ بصمة العار من جبینه بقیامه بمهمّة ( العبادة ) في طیلة حیاته و أن یحذّر نفسه من الغفلة و التکاسل و أن لا یأکل و لا یتمتع کما تأکل الأنعام لأنّ الإنسان موجود أبدي خلِق للبقاء لا للنفاء و المطلوب منه أن یکون علی یقظة مستمرة لأنّ الموت یأتیه بغتة و بعد الموت لاینفع الندم و لا الحسرة و لات حین مناص .
فقه الصلاة:
الصلاة لغة: الدّعاء و الصلاة في مصطلح الشرع :عبادة الله ذات أقوال و أفعال معلومة مخصوصة أوّلها التکبیر و آخرها التسلیم ,سمّیت بالصلاة في الشرع.
و نذکر شئیاً من التفصیل حول الصلاة من حیث اللغة من لسان العرب:صلا؛ الصّلاة: الرّکوع والسّجود.فأمّا قوله صلّی الله علیه وسلم لاصلاة لجار المسجد إلا في المسجد،فإنه أراد،لا صلاة فاضلة أو کاملة ،والجمع صلوات.والصلاة:الدّعاء والاستغفار؛
وفي حدیث ابن أبي أوفی أنّه قال:أعطاني أبي صدقة ماله فأتیت بها رسول الله صلی الله علیه وسلم فقال:»اللهم صلّ علی آل أبي أوفی» ؛قال الأزهري:هذه الصلاة عندي الرّحمة؛ ومنه قوله جلّ ثنائه (إنّ الله وملئکتهُ یصلّون علی النّبي یاایها الذین ءامنوا صلّوا علیه وسلّموا تسلیما)؛فالصّلاة من الملئکة دُعاءٌ واستغفارٌ،ومن الله رحمة،وبه سمّیَت الصّلاةُ لما فیها من الدّعاء ِ والإستغفار. في الحدیث «التحیاتُ لله والصّلوات «؛قال أبوبکر:الصلوات معناها التّرحّم .وقوله تعالی: (إنِّ الله وملئکته یصلّون علی النّبي)؛ أي یترحَّمون.قوله أي النّبي علیه الصلاة والسّلام:» اللهمّ صلّ علی آلِ أبي أوفی «أي تَرَحَّم علیهم، وتکون الصلاة بمعنی الدّعاء.
وفي الحدیث قوله صلی الله علیه وسلم» إذا دُعي أحدُکُم إلی طعام فلیجب،فإن کان مُفطرا ًفلیطعم،وإن کان صائماً فلیصَل» قوله :فلیصَل یعني فلیدعُ لأَرباب الطعام بالبرکة والخیر،؛والصائم إذا أکل عنده الطعام صلّت علیه الملائکة ومنه قوله:صلی الله علیه وسلم «من صلی عليّ صلاةً صلّت علیه الملائکةعشراً؛.وکلّ داعٍ فهومُصل؛
ابن الأعرابي:الصلاة من الله رحمة، ومن المخلوقین الملائکة والإنس والجنّ:القیام والرّکوع والسّجود والدّعاء والتّسبیح؛ والصّلاة من الطّیروالهوامّ التّسبیح. وقال الزجاج:الأصل في الصلاة اللزوم. یقال:قد صَلِي واصطَلَی إذا لزم، ومن هذا من یصلی في النارأي یلزم النار.
وقال أهل اللغة في الصلاة:أنها من الصلَوَین ،وهما مکتنفا الذنب من الناقة وغیرها،وأوّل موصل الفخذین من الإنسان فکأنهما في الحقیقة مکتنفا العصعص؛قال الأزهري: والقول عندي هوالأول، إنما الصلاة لزوم ما فرض الله تعالی، والصلاة من أعظم الفرض الذي أُمر بلزومه،والصلاة:واحدة الصلوات المفروضة،وهواسمٌ یوضع موضع المصدر،تقول:صلّیتُ صلاة ولاتَقُل تصلیة،وصلّیت علی النبي صلی الله علیه وسلم قال ابن الأثیر:وقد تکررفي الحدیث ذکر الصلاة وهي العبادة المخصوصةُ،وأصلها في اللغة، الدّعاء فسُمّیت ببعض أجزائها، وقیل أصلها في اللغة التّعظیم، وسمّیت الصلاة المخصوصة صلاة لما فیها من تعظم الرّبِّ تعالی وتقدس .
و ننقل بعض فوائد الصلاة للجسم أخذت من الإنترنت:
يقول فارس علوان : « للصلاة دور أساسي ، في تعزيز مناعة˜ الجسم ، وتقويته وتنشيطه ، ليكون مقاومة للأمراض ، وقهر العلل والآفات « ويقول عبد المعطي القلعجي : فرض الإسلام الصلاة ، وهي قوة˜لتنظيف الباطن ، والتخلي عن الفحشاء والمنكر ، وفيها راحةللضمير ، كما لها من الفوائد الصحية ، التي تعود على المصلي ،من تقوية عضلاته ومفاصله ، ومساعدة المعدة على هضم الطعام ، والسجود الطويل الخاشع ، له قوة خارقة ، في انخفاض ضغط الدم العالي . يؤكد مثل هذه الحقائق فارس علوان بقوله : « هذه الصلاة التي تعد من أركان الإسلام ، تشمل من جمل ما تشمل : حركات فيزيائية مفيدة ، وتمارين رياضية نموذجية ، يعود نفعها الكامل ، ومردودها الوافر ،على من يقيمها بطريقتها الصحيحة ، ويؤديها بإيمان وخشوع ، علاوة على ما وعد الله المصلين من جزيل العطاء ، وكثير الثواب ، وبشرهم بمغفرة وتكريم ونعيم مقيم … .
من الفوائد الصحية كذلك:
- توسيع الشرايين والأوردة، وإنعاش الخلايا، تنشيط الجهاز الهضمي، ومكافحة الإمساك، إزالة العصبية والأرق، زيادة المناعة ضد الأمراض والالتهابات المفصلية، تقوية العضلات وزيادة مرونة المفاصل.
- إزالة التوتر والتيبس في العضلات والمفاصل، وتقوية الأوتار والأربطة وزيادة مرونتها.- تقوية سائر الجسم وتحريره من الرخاوة.- اكتساب اللياقة البدنية والذهنية.- زيادة القوة والحيوية والنشاط.- إصلاح العيوب الجسمية وتشوهات القوام، والوقاية منها
ضبط إيقاع الجسم
أظهرت البحوث العلمية الحديثة أن مواقيت صلاة المسلمين تتوافق تماما مع أوقات النشاط الفسيولوجي للجسم، مما يجعلها وكأنها هي القائد الذي يضبط إيقاع عمل الجسم كله.
وقد جاء في كتاب « الاستشفاء بالصلاة للدكتور « زهير رابح: « إن الكورتيزون الذي هو هرمون النشاط في جسم الإنسان يبدأ في الإزدياد وبحدة مع دخول وقت صلاة الفجر، ويتلازم معه ارتفاع منسوب ضغط الدم، ولهذا يشعر الإنسان بنشاط كبير بعد صلاة الفجر بين السادسة والتاسعة صباحا، لذا نجد هذا الوقت بعد الصلاة هو وقت الجـد والتشمير للعمل وكسب الرزق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد: « اللهم بارك لأمتي في بكورها»، كذلك تكون في هذا الوقت أعلى نسبة لغاز الأوزون في الجو، ولهذا الغاز تأثير منشط للجهاز العصبي و للأعمال الذهنية والعضلية، و نجد العكس من ذلك عند وقت الضحى، فيقل إفراز الكورتيزون ويصل لحده الأدنى، فيشعر الإنسان بالإرهاق مع ضغط العمل ويكون في حاجة إلى راحة، ويكون هذا بالتقريب بعد سبع ساعات من الاستيقاظ المبكر، وهنا يدخل وقت صلاة الظهر فتؤدي دورها كأحسن ما يكون من بث الهدوء والسكينة في القلب والجسد المتعبين
بعدها يسعى المسلم إلى طلب ساعة من النوم تريحه وتجدد نشاطه، وذلك بعد صلاة الظهر وقبل صلاة العصر، وهو ما نسميه «القيلولة» وقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة عن ابن عباس « استعينوا بطعام السحر على الصيام، وبالقيلولة على قيام الليل» وقال صلى الله عليه وسلم: « أقيلوا فإن الشياطين لا تقيل « وقد ثبت علميا أن جسم الإنسان يمر بشكل عام في هذه الفترة بصعوبة بالغة، حيث يرتفع معدل مادة كيميائية مخدرة يفرزها الجسم فتحرضه على النـوم، ويكون هذا تقريبا بعد سبع ساعات من الاستيقاظ المبكر، فيكون الجـسم في أقل حالات تركيزه ونشاطه، وإذا ما استغنى الإنسان عن نوم هذه الفترة فإن التوافق العضلي العصبي يتناقص كثيرا طوال هذا اليوم.
ثم تأتي صلاة العصر ليعاود الجسم بعدها نشاطه مرة أخرى ويرتفع معدل «الأدرينالين» في الدم، فيحدث نشاط ملموس في وظائف الجسم خاصة النشاط القلبي، ويكون هنا لصلاة العصر دور خطير في تهيئة الجسم والقلب بصفة خاصة لاستقبال هذا النشاط المفاجئ، والذي كثيرا ما يتسبب في متاعب خطيرة لمرضى القلب للتحول المفاجئ للقلب من الخمول إلى الحركة النشطة
وهنا يتجلى لنا السر البديع في توصية مؤكدة في القرآن الكريم بالمحافظة على صلاة العصر حين يقول تعالى [ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ] (البقرة 238)، وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الصلاة الوسطى هنا هي صلاة العصر، ومع الكشف الذي ذكرناه من ازدياد إفراز هرمون « الأدرينالين» في هذا الـوقت يتضح لنا السر في التأكيد على أداء الصلاة الوسطى، فأداؤها مع ما يؤدي معها من سنن ينشط القلب تدريجيا، ويجعله يعمل بكفاءة أعلى بعد حالة من الخمول الشديد ودون مستوى الإرهاق، فتنصرف باقي أجهزة الجسم وحواسه إلى الاستغراق في الصلاة، فيسهل على القلب مع الهرمون تأمين إيقاعهما الطبيعي الذي يصل إلى أعلاه مع مرور الوقت
ثم تأتي صلاة المغرب فيقل إفراز «الكورتيزون» ويبدأ نشاط الجسم في التناقص، وذلك مع التحول من الضوء إلى الظلام، وهو عكس ما يحدث في صلاة الصبح تماما، فيزداد إفراز مادة «الميلاتونين» المشجعة على الاسترخاء والنوم، فيحدث تكاسل للجسم وتكون الصلاة بمثابة محطة انتقالية
وتأتي صلاة العشاء لتكون هي المحطة الأخيرة في مسار اليوم، والتي ينتقل فيها الجسم من حالة النشاط والحركة إلى حالة الرغبة التامة في النوم مع شيوع الظلام وزيادة إفراز «الميلاتونين»، لذا يستحب للمسلمين أن يؤخروا صلاة العشاء إلى قبيل النوم للانتهاء من كل ما يشغلهم، ويكون النوم بعدها مباشرة،
أما الدكتور « إليكسيس كارليل» الحائز على جائزة نوبل في الطب فيقول عن الصلاة: « إنها تحدث نشاطا عجيبا في أجهزة الجسم وأعضائه ، بل هي أعظم مولد للنشاط عرف إلى يومنا هذا، وقد رأيت كثيرا من المرضى الذين أخفقت العقاقير في علاجهم كيف تدخلت الصلاة فأبرأتهم تماما من عللهم، إن الصلاة كمعدن الراديوم مصدر للإشعاع ومولد ذاتي للنشاط، ولقد شاهدت تأثير الصلاة في مداواة أمراض مختلفة مثل التدرن البريتوني والتهاب العظام والجروح المتقيحة والسرطان وغيره «
فوائد طبية أخرى
فهي تقوي عضلات البطن لأنها تمنع تراكم الدهون التي تؤدي إلى البدانة و الترهل، فتمنع تشوهات الجسم وتزيد من رشاقته. والصلاة بحركاتها المتعددة تزيد من حركة الأمعاء فتقلل من حالات الإمساك وتقي منه، وتقوي كذلك من إفراز المرا
وضع الركوع والسجود وما يحدث فيه من ضغط على أطراف أصابع القدمين يؤدي إلى تقليل الضغط على الدماغ، وذلك كأثر تدليك أصابع الأقدام تماما، مما يشعر بالاسترخاء والهدوء. والسجود الطويل يؤدي إلى عودة ضغط الدم إلى معدلاته الطبيعية في الجسم كله، ويعمل على تدفق الدم .
فقة الصلاة من حیث الشرع:
أما الصلاة فلها المکانة المرموقة في الأدیان کلها خاصّةً في الإسلام والصلاة عبادة عریقة في القدم ما من أمّة إلا أمرت بها وما من نبیٍّ إلا أمر أهله وأمته بالصلاة کما أمراللّه نبیّه محمداصلی الله علیه وسلم «وأمر أهلک بالصلاة واصطبر علیها ………و أیضاً ردّ النّبي صلی الله علیه وسلم علی قبیلة من بني ثقیف حین طلبوا منه صلی الله علیه وسلم أن لا یأمرهم بالصلاة ،حیث قال صلی الله علیه وسلم جواباً لهم ولکل مسلم «لاخیر في دین لا صلاة فیه»
الصلاة رکن رکین الإسلام وحصن حصین الأمّة، الصلاة أمر سماوي وعروج روحي ،الصلاة عمود الدین و رأس الأمر في الإسلام و مفتاح الفرج في المصائب والشدائد و مفتاح الجنّة وقرة عین النبي صلی الله علیه وسلم والمؤمنین و راحة الجسم والروح،الصلاة صلة ولقاءمع الله «الذین یظنون انهم ملاقوا ربهم…46البقرة» کما ذکر بعض المشایخ تفسیراً لهذه الآیة الکریمة أن المراد من اللقاء لقاء الله في الصلوة أیضا
الصلوة نورٌ یتلألأ في قلب المومن , الصلاة نورٌ للمؤمن في الدنیا و نورٌ له لیوم تتقلّب فیه القلوب والأبصار و یوم یسعی نورهم بین أیدیهم و من جانب اخر أن الصلوة سبب لغسل الأوساخ الظاهریة و الباطنیة والصلوة تکفّر الخطایا والذنوب وتطرد السئیات والزلّات من نفس المؤمن و لکن لیس مجرد هذا فقط بل للمصلي الذي یناجي ربّه له لحظات مبارکة میمونة في تلک المرات الخمس لیلاً ونهاراً له سیر وسفر في السموات العلی وأنُّه یطیر روحاً من دنیاه ، دنیا الطین والحماء المسنون إلی الملاء الأعلی یتکلّم مع ربه بلا ترجمان ولیس بینه و بین ربه حجاب ولاباب
وهذه الصلوات الخمس و جبات غذائي لروح المؤمن کما أنّ المؤمن يتغذّی کلّ یوم و لیل بالأطعمه المختلفة کي لا یموت جوعاً و لأجل ما یقتضي جسمه کي لا یفقد حیاته کذالک والروح یحتاج إلی وجبات غذائي في کل یوم و لیلة و علی الإنسان أن لا یمهل هذا الجانب في حیاته.
سرّ تکرار الصلاة في الیوم:
جعل الله الصلاة علی المؤمنین کتاباً موقوتاً،أمرهم بإقامتها حین یمسون و حین یصبحون ،و عشیاً وحین یظهرون . کرّرها خمس مرات في الیوم لتکون «حمّاماً» روحیاً للمسلم یتطهربها من غفلات قلبه ،وأدران خطایاه .
وقد مثل النبي صلی الله علیه وسلم هذا المعنی في حدیثه الشریف فقال : أرأیتم لو أن نهراً علی باب أحدکم ، یغتسل فیه کل یوم خمس مرّات ، فهل یبقی علی بدنه من درنه شيء ؟..قالوا : لا : قال: کذلک مثل الصلوات الخمس یمحو الله بهنّ الخطایا » و أي إنسان یمرّ علیه من غیر خطایا و هفوات ؟! لقد خلق هذا الإنسان خلقاً عجیباً، فیه من الملاک روحانیته ، ومن البهیمة شهوتها ، ومن السباع حمیتها . وکثیراً ما تغلبه الشهوة ، ویستفزه الغضب ،ویجذبه تراب الأرض الذي خلق منه ،فیقع في الأخطاء ویتردی في الخطایا، ولیس العیب أن یخطئ الإنسان فکل بني آدم خطاء ولکن العیب أن یتمادی في الخطأ ،ویستمر في الانحدار ، حتی یصیر کالأنعام أو أضل سبیلا.
وفي الصلوات الیومیة الخمس فرصة یثوب فیها المخطئ إلی رشده , و یفیق المغرور من سباته , و یرجع الإنسان إلی ربه , و یطفئ هذا السعار المادي الذي أججته المطامع والشهوات , و نسیان الله والدار الآخرة .
الصلاة میراث النّبوة، بروحها وأحکامها، متوارثة في الأٌمة بظاهرها وباطنها:
والصلاة میراث النٌّبوة، والتّراث النبوي الخالد العظیم الذي یجب أن تتوارثه، وتتناقله هذه الأمة جیلا ًبعدجیل،وعصرا ًبعدعصر،وطبقة بعد طبقة ،یجب أن تتوارثها بأوضاعها وآدابها، وتفاصیلها وأحکامها، وقدفعلت ذلک بفضل التّوارث والتعامل، و بفضل جهود المحدثین والفقهاء الذین رووا أخبارها، ودوّنوا أحکامها، ومایفرض، ومایجب، ومایندب إلیه وما یستحب، وما هو سنّة وما یخالفها، ومایجوز ومالایجوز، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمین خیرالجزاء.
وهکذا کان یجب أن تتوارث هذه الأمة روحها وحقیقتها، وخشوعها وإنابتها، وحرارتها ورقّتها، وقد کانت صلاة الرسول صلی الله علیه وسلم جامعة بین أوضاع وأحکام، وبین روح وحقیقة،وخشوع ورقة،وقد سئل عن الإحسان،فقال:»أن تعبدالله کأنک تراه،فإن لم تکن تراه فإنه یراک»وقد کانت صلاته صلی الله علیه وسلم هي المثل الکامل للإحسان ،وقد روی مطرف عن أبیه، قال:»رأیت رسول الله صلی الله علیه وسلم یصلّي وفي صدره أزیز كأزیز الرحی من البکاء
وقدکانت صلاة الخلفاء الراشدین والصحابة، وکثیر من التابعین، ومن جاء بعدهم من المخلصین والربانیین، وأهل القلوب الصادقة الخاشعة صورة للصلاة النبویة،ومرآة لها،وقد روت کتب التاریخ،والطبقات و التراجم الشیء الکثیر من طولها وجمالها،وخشوعها ورقتها،فقد جاء في حدیث الهجرة عن عائشة رضی الله عنها،وکان أبوبکررجلا ًبکّاءًلایملک عینیه إذا قرأ القرآن و قالت لما أمر النبي صلی الله علیه وسلم في شدة مرضه،أن یتقدم أبوبکر،فیصلی بالمسلمین،وقال:»مروا أبابکرفلیصل بالناس»:»إن أبابکررجل رقیق، وفي روایة أسیف،إذا قرأغلب علیه البکاء»وقال الحسن البصري رحمه الله :»کان عمررضوان الله علیه،یمرّبالآیة من ورده بالیل فیبکي حتی یسقط ،ویبقی في البیت حتی یعاد للمرض،»وعن ابن عمر رضي الله عنه،قال:»غلب علی عمررضوان الله علیه البکاء وهویصلي بالناس صلاة الصبح فسمعت خنینه من وراء ثلاثة صفوف ،»وعن علقمة بن وقاص قال:»کان عمریقرأ في العشاء الآخرة یوسف،وأنا في مؤخر الصفوف حتی إذا ذکریوسف علیه السلام سمعت نشیجه «وعن عبدالله بن شدّاد:سمعت نشیج عمروأنا في آخر الصفوف،یقرأ:(إنمّا أشکُو بثّی وحزنی إلی الله). واجب قادة الإصلاح، ورجال التعلیم والتّربیة، والحرکات الدّینیة: ومن واجبات هذه الأُمّة وعلمائها ومربیها بالأخص،ألا ینقطع هذاالإرث،وألاتضیع هذه الثّروة المبارکة،وألا ینطفیءهذا النورمهما تغیرت الأُوضاع، وغزت المادیة القلوب والنفوس، فإنّها خسارة لاتعوض بشیء،وفراغ لایملأ بأکبر قسط من الأحکام الفقهیة، وأسرارالتّشریع،وذلاقة اللسان وسیلان القلم،ولا أمل في حرکة إصلاحیة،أو محاولة لبعث إسلامي،إلا إذا ألهبت جذوة الإیمان،والحب والحنان،في نفوس أصحابها ودعاتها،وأعادت إلی الأُمة-التي إمتازت بها القرون المشهود لها بالخیر،وعرفت کیف تقوم أمام ربّها في الصّلاة قبل أن تعرف کیف تقف أمام عدوها،وفي المشکلات والأزمات،وصدق إمام دارالهجرة مالک بن أنس ،إذ قال:»لن یصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أوّلها»وفي القرآن العظیم «قدأفلح المومنون ألذین هم في صلاتهم خاشعون ».
عصارة القول
احتل الحديث فيما أسلفنا شتی الجوانب للصلوة و تأثيرها علی حياة الإنسان الدنيوية و الأخروية و لكن الأمر الرئيسي للمؤمن أن يكون مدا أمله و نظره إخضاع نفسه في طاعة ربه و أن لا ينظر إلی الصلوة بأنها عبادة بدنية مجردة أو رياضة بدنية، بل جعلها الله فيها سعادته و نجاحه و رشده فيالدنيا و الاخرة. الصلوة سلم الرقي و التقدم من الحيوانية إلی الملكية و هي كمال الإنسانية و أنها شفاء للروح و الجسم. و بغضّ النظر عن جميع هذه الفوائد للصلوة، أنها منشور إلهيُّ و أمر سماويُّ أمر الله بها عباده المؤمنين و هي قرة عين رسول الله (ص) و هي مكتوبة و محفوظة في كتاب الله إلي الأبد الآباد و هي ما يصبو اليه المؤمن صباحاً ومساء في حياته الإيمانية في هذا كفاية لمن اعتبر و تبصر.
في الختام نسأله سبحانه و تعالی أن يرزقنا صلاة مقبولة و أن يوفقنا بإقامة الصلوة كما حقها و أن لا تضيع هذه الثروة العظيمة المتدفقة بالحيويّة و القوّة من الأمة الإسلامية لأن ضياعها ضياع الأمة و لا قدر الله ذلك.
و نرجو من الله التوفيق والسداد.
المنابع و الإرجاعات
1ـ مومنون، 32
2ـ ذاريات، 56-57
3ـ لسان العرب، 8/275
4ـ الإنترنت ( الشبكة الدولية )
5ـ العبادة في الإسلام للدكتور القرضاوي، ص214
6ـ الأركان الأربعة للعلامة الندوي، ص 97
إبراهیم یوسف بور