يتجلى للباحث في تاريخ الأديان والملل حقيقة ما ذكرنا كالشمس في رابعة النهار، وتتابع المصلحين والمجددين ورجال الفكر والإبداع أكبر شاهد على أن الإسلام ناموس إلهي صالح لتوجيه البشرية نحو السعادة والوئام؛ فجدير بالجيل المعاصر أن يدرس تاريخه المشرق، وأن يقرأ حياة الأبطال والجهابذة حتى يتيقن بأن الإسلام دين يصنع العجائب.

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم
الحمد للّٰه والصلاة والسلام على رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم- وبعد:
قال اللّٰه تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»
كلامنا اليوم حول سر البقاء ورمز الخلود آخر رسالات اللّٰه تعالى. كما نعرف ويعرف الجميع أن الحياة في حركة مستمرة ومنتقلة من طور إلى طور؛ إذن الحياة متحركة ومتطورة دائمة الاهتزاز والشباب، لا تعرف وقوفا ولا ركودا، فلا يسايرها إلا دين حافل بالحركة والنشاط لا يتخلف عن ركب الحياة، ولا يركن إلى جانب ذاهلا الجهات الأخرى، ولا يتعب
عن المسايرة والزمالة، لا تنفد حيويته ونشاطه.
إذا ندرس هذه الميزات فلا نجدها متضامنة إلا في الإسلام خاصة؛ لأنه وإن كان مبنيا على أسس رصينة وعقائد ثابتة نافع لكل الأجيال والأزمان، ومنذ أن خلق اللّٰه الكون وجعل الإنسان خليفته فيه أرسل رسلا مبشرين ومنذرين ولم يتركهم هملًا لا يعرفون شرعا ولا منهجا إلى أن بعث اللّٰه خاتم رسوله بآخر رسالة سماوية وشريعة سهلة سمحة ليلها كنهارها، فالإسلام دين حي وخالد كخلود المادة والعناصر الكونية. وقد أشار إلى هذا القول ربنا سبحانه وتعالى يوم عرفة في هذه الآية الشريفة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»
إذا كان هذا شأن الإسلام فلا تبقى حاجة إلى إنشاء دين أو طقوس أو تقاليد تخطط لإسعاد البشر؛ فليس الإسلام سائلًا ومائعًا كالديانات العتيقة ولا جامدًا كجمود الفلسفات النظرية. وإذا تحقق أن دين الإسلام هو الدين المرضي المختار لإنقاذ البشرية من الضلالات، وأمة محمد خير أمة عرفت في تاريخ البشرية وقد اصطفاها اللّٰه تعالى لحمل هذه الأمانة وحفظها مما يدنسها ويشينها كان من الطبيعي أن تواجه هذه الأمة في رحلتها الطويلة والواسعة بمواقف مريرة وعقبات عصيبة غير معهودة في تاريخ الأمم والأديان، فانفلتت هذه الأمة من هذه المهالك ظافرة منتصرة؛ فأمة هذه شأنها صالحة للبقاء والخلود والزعامة، ولا يمكن لأهل الباطل أن يقضوا على كيان هذه الأمة بطاقاتهم المادية؛ لأن اللّٰه توخى في طبيعة الإسلام من
الطاقة ما يفوق الطاقات المادية حتى الطاقة الذرية.
وبالتالي قد قيّض اللّٰه للحفاظ على هذا التراث رجالًا ملتزمين بمبادئ قد تأصلت في قلوبهم
فتضلعوا بأعباء هذه الأمانة فراعوها حق رعايتها.
والدليل على صدق ما قلنا أن الإسلام قد واجه بهجمات وصدمات عنيفة وقاضية من قبل أعداء الإسلام؛
 كالغارات الصليبية الحاقدة، ومداهمة التتار -ذلكم الجراد المنتشر والفرق الضالة والتيارات الهدامة مثل الباطنية والقرامطة- فلو أصيبت ديانة أخرى ببعض ما أصيبت ديانة الإسلام لذابت وفقدت وعيها، و
الإسلام قد رمي بالصواعق المدمرة، رغم ذلك كله قد عاش الإسلام غضًّا طريًّا وشقّ طريقه إلى الأمام وهذان
السببان رمز البقاء وسر الخلود لهذا الدين الحنيف.
يتجلى للباحث في تاريخ الأديان والملل حقيقة ما ذكرنا كالشمس في رابعة النهار، وتتابع المصلحين والمجددين ورجال الفكر والإبداع أكبر شاهد على أن الإسلام ناموس إلهي صالح لتوجيه البشرية نحو السعادة والوئام؛ فجدير بالجيل المعاصر أن يدرس تاريخه المشرق، وأن يقرأ حياة الأبطال والجهابذة حتى يتيقن بأن الإسلام دين يصنع العجائب.
وفي الختام نلتمس من قراءنا الأفاضل متابعة تراجم رجال غيروا مجرى التاريخ بعزيمتهم وجميل أفعالهم، هؤلاء الرجال الأعلام الذين أدوا دورا أساسيا في الحفاظ على القيم الدينية في المجتمع الإسلامي بأعمالهم الكبيرة؛ أولئك هم قدوتنا فحقٌّ علينا أن نظمأ إليهم ونعضّ الأيدي على فراقهم ونعكف على دراسة أحوالهم حتى يرزقنا اللّٰه -سبحانه وتعالى- توفيقًا وصلاحا.
إِنّا وإنّ كرُمت أوائلنا
 لَسْنَا على الأحْسَاب نَتَّكِلُ
نبْني كما كانت أوائلُنا
 تَبْني ونَفْعل مثلَ مافَعَلُوا
والله خير ناصر ومعين
  • نویسنده: عبد الواحد عليبايي