لم يدر في خلدي يوما أني أصبح  مشغوفا بحب الكتب الأدبية في هذا الحد، حقا؛ لا يقع بصري على مقالة أستشم فيها‌ رائحة الأدب -بإدراكي القاصر- ولا تلمس يداي كتابا يجذبني عنوانه وأحيانا اسم مؤلفه إلا وقد أقبل عليه بقلبي وقالبي، يصير أنيسي في وحدتي، وجليسي في خلوتي وسميري في ليلي، وأكيلي وشريبي عند طعامي […]

لم يدر في خلدي يوما أني أصبح  مشغوفا بحب الكتب الأدبية في هذا الحد، حقا؛ لا يقع بصري على مقالة أستشم فيها‌ رائحة الأدب -بإدراكي القاصر- ولا تلمس يداي كتابا يجذبني عنوانه وأحيانا اسم مؤلفه إلا وقد أقبل عليه بقلبي وقالبي، يصير أنيسي في وحدتي، وجليسي في خلوتي وسميري في ليلي، وأكيلي وشريبي عند طعامي وشرابي، وعندما يستبد بي السهد أتوجه إليه لأستجلب به النوم وإذا به يسلبني القليل الذي كنت أشعر به.

 أنا لا أنسى فضل كتب العلامة الندوي  -رحمه الله- علي؛ إنها تركت في قلبي موقعا حسنا، وإعجابا كبيرا، وكانت نقطة انطلاقي في حياتي الدراسية، وبها تدرجت في مجال اللغة العربية، وصارت لي جسرا إلى الأدباء الآخرين، وعندما تعرفت على بعضهم دخلت عالما آخر، ووطئت أرضا لا أملّ من المشي فيها. وجدت ضالتي عند فقيه الأدباء وأديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي، والأديب الأريب مصطفى لطفي المنفلوطي.

 شاء الله هذه الأيام أن أُساق إلى كتاب من الكتاب المعاصرين، ما إن طالعت المقدمة منه إلا وقد دفعني الفضول إلى مطالعة الكتاب كله، أخذت من كل صفحة منه دروسا ينبغي لكل مسلم، وعالم، وسياسي، ولكل ناشط و… أن يجعلها نصب عينيه، ويتخذها نبراسا في مسير حياته.

مؤلف الكتاب قد وُفّق أن يتفكر في العالم وما يجري فيه منعزلا عنهة نظر إليه بمنظار لا يمكن وصفه وفهمه إلا من ابتلاه الله بما ابتلي به. بعد أن أطلق سراحه، وخرج من أشد السجون في العالم، لم يقر له قرار، ولم يهدأ له بال إلى أن أخذ القلم بأصبعيه، والأوراق بين يديه، وألف كتاب “البلاء الشديد والميلاد الجديد”.

كانت بداية التأليف في هذا السجن الذي يسلب الأمل والبصيص منه في الخروج، وإطلاق السراح.

لبث أربعة عشر عاما في غوانتانامو -أبادها الله وفرج عن المسلمين المعتقلين فيه- بقي الشيخ الفايز الكندري دون أن يقترف ذنبا ويرتكب جريمة، شأنه شأن الرجال الآخرين الذين وقعوا في مخالب الظلم والعدوان ليس لهم ذنب إلا أن قالوا ربنا الله.

السؤال المطروح: لم بني غوانتانامو؟ ومن بناه؟ وعلی أي أساس بني؟ معروف لا تكون أبدا غوانتانامو أسوأ السجون وأشدها، هناك نجد سجونا في بلاد المسلمين، تعمل إيذاءات وحشية طالما ما سمعت أذن ولا رأت عين مثلها في تاريخ البشرية الطويل من لدن آدم -عليه السلام- إلى يومنا هذا، كما يقول المؤلف: لم تكن غوانتانامو أسوأ سجن في التاريخ البشري، هناك سجون أشد توحشا…لكن الذي يميز غوانتانامو عن غيرها أن تمثال الحرية هو من بنى هذا المعتقل بيديه ثم أحرق المعتقلين بشعلته. لقد مورس فيها التعذيب باسم الإنسانية، وارتدى الظلم رداء العدالة، وانتهك القانون باسم القانون.

نعم، هذا ما يفعله الأمريكان ومؤيدوهم، كأن الخلق لم يخلقوا إلا أن يكونوا عبيدا، مكتوفي الأيدي، ناكسي الرؤوس في خدمتهم، وخلقوا هم بأنفسهم ليهضموا حقوق الآخرين، ويأكل القوي فيهم الضعيف، ومن قابلهم بالضد يستحق أشد أنواع العذاب، والعقاب وأمرّها، وأنكدها.

إن المؤلف حاول في الكتاب أن يجلب الانتباه إلى هذا الجانب أكثر، لثير السؤال

لماذا احتلت هذه القوى العالمية وعلى رأسهم الأمريكان بلاد المسلمين، ولأي سبب؟ ولماذا بنوا تلك السجون المخيفة؟

 أنا أتعجب من عقول هؤلاء الذين جلسوا على الكرارسي في الجمعيات والمنظمات العالمية الكبيرة، يبررون ويبرئون ساحة الأمريكان مما يظلمون، ويدينون الشعب المضطهد الغيور المسلم ويحكمون عليهم بالإرهاب، ويكرّسون أقصى جهدهم لتزيين القبيح وتقبيح الزينة، وإراءة الظلم عدالة، والعدالة ظلما.

ألم يأن لهؤلاء أن يعقلوا…

كيف يسمحون لأنفسهم أن يتحدثوا عن العدالة والأخلاق وحقوق الإنسان، ودعائم الأخلاق والفضائل منهارة من الأساس لديهم، لم تكن قائمة فيهم أبدا.

 إن الأمريكان احتلت بلدة الأفغان الحبيبة الأثيرة منذ عشرين عاما ونحتت ألف دليل لبقاءها في أفغانستان -وأخيرا خرجت، وهربت تجر أذيال الخيبة-.

أنبئوني أنتم؛ أي جريمة في قاموس الجرائم لم ترتكبها الأمريكان؟ أي ظلم وذل وهوان لم تجرع هي والدول المؤيدة لها الشعوبَ الضعفاء…؟! أهؤلاء محقون في القتل والتشريد، والتدمير، والشعب المضطهدون إرهابيون؟

إن “جمعية المدافعين عن حقوق الإنسان” وجهت سهام النقد إلى شيخ الإسلام مولانا عبدالحميد -حفظه الله- لما تحدث عن طالبان ولم يرد عليهم، بل أمل نجاحهم، وترجّى لبلدهم الأمن والسلام.

إن الجمعية سمحت لنفسها أن تنطق بما تشاء، ويوجه نقدا لازعا إلى من تحب، إنها تقول في طالبان: وجهة نظر طالبان وجهة نظر متحجرة، مناهضة للمساواة، ناقضة لحقوق الإنسان الأساسية.

ألم يأن لهؤلاء أن يتبعوا سبيل العاقلين؟! ما الصلة بين الأمريكان و هذا الجانب من العالم؟

 تعتبر الجمعية حركة طالبان تهديدا لسلام العالم، عن أي عالم ينطقون؟ أم يعنون بالعالم الأمريكان؟ كيف فاتها الحياء وقالت: إن وجهة نظر طالبان تكون متحجرة، مناهضة للمساواة و… وتتجاهل ما تعامل في السجون الأمريكية، وزنازينها، وعنابرها؛ تتجاهل ما ارتكبته الأمريكان من الجرائم التي تأبى عنها وحوش الغاب.

عن أي حقوق، وعن أي عالم تتكلم…؟! الجمعية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة؟! شيء لا يبدو طبيعيا.

أنبئوني أنتم عما يجري في العالم! لا يفوتنكم شيء، أود أن أتعرف على الدنيا، زواياها، وخباياها من طريقكم، إخاله لا يسير سيره الطبيعي، وينكر من أمره كل شيء.

أعتذر من القراء ابتعدت عن الموضوع كثيرا، أنا أكتفي بهذا، أترككم أن تراجعوا الكتاب لتقل الوسائط، وتعرفوا على الكتاب وما فيه عن كثب. جزاكم الله خيرا

إلياس نظري