الحمدلله والصلاة والسلام علی رسول الله وبعد: نحن المسلمون اليوم أكثر عددا، وأوفر عدة، وأجهز سلاحا وكراعا، وفي أيدينا القرآن الكریم، وسنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك كله الاستنان والاقتداء بشخصيته العملاقة عن طريق الدراسة والبحث في كتب السيرة والقصص ما يكمّلنا ويجمّلنا ويقدّمنا على الأمم السالفة التي فقدت رسالتها ومهمتها، وجعلت […]

الحمدلله والصلاة والسلام علی رسول الله وبعد:
نحن المسلمون اليوم أكثر عددا، وأوفر عدة، وأجهز سلاحا وكراعا، وفي أيدينا القرآن الكریم، وسنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك كله الاستنان والاقتداء بشخصيته العملاقة عن طريق الدراسة والبحث في كتب السيرة والقصص ما يكمّلنا ويجمّلنا ويقدّمنا على الأمم السالفة التي فقدت رسالتها ومهمتها، وجعلت الدنيا وزخارفها نصب أعينها ومبلغ علمها، وهذه تسببت أن غيرت وحرفت الكتب السماوية، واستحقت الغضب والمسكنة والكبت، ولا شك أن الاحبار والرهبان هم الذين تصدَّوا للرئاسه الدينية، وجعلوا تلك الدرجة العليا ذريعة للوصول إلى الدنيا التافهة والمنافع الفانية عوضا عن إبلاغ رسالات الله تعالى بالأمانة والسلامة، ولم يقدروا أن يدفعوا عنهم الوسواس الذي يبعثهم على التغيير والتحريف.
وهذا الفعل البغيض بلاء عظيم لأرباب الرسالات؛ لأنهم اتبعوا الشهوات والأهواء، وطلبوا ما عند الناس من المال، وأسخطوا الله تعالى سبحانه.
وأما الأمة الإسلامية النامية بعد ذبول الأمم المتقدمة استطاعت أن تفتح القلوب الراغبة والقابلة وتجذب الذين يرصدون النور في الظلام المدلج.
ونحن إذ نؤمن بأن في كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- خیر علاج للأمراض النفسية والفوضى الاجتماعية نؤكد بأن الغايات التي تحمد عليها لا تتحق ولا تؤتي ثمارها اليانعة إلا في أرضية الإيمان، وهي قلوب رجال مؤمنين ونساء مؤمنات، أولئك الذين دخل الإيمان بشاشة قلوبهم فاسترخصوا أغلى ما عندهم في طريق الإيمان، واستبشروا بالبيع الذي تبايعوا عليه رضىً بالانتفاع الذي اكتسبوه، وكما قيل أول صلاح هذه الأمة صلاح عقيدتها، وأول فسادها فساد عقيدتها.
يجدر بنا في هذا العصر وفي کل عصر أن نتذکر، ولا نهمل هذا المنهج الناجح المستمد من الإيحاءات الإلهية، وليس عندنا شيء أدل مما يشهد به التاریخ ويصوره لنا كالعيان بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين الذين صحبوه ليلا ونهارا، سفرا وحضرا كيف واجهوا آنذاك في المجتمع الجاهلي النزاعات المتأصلة، والأعراف العريقة، والجور السافر على فئة من الناس عامة، وعلى المرأة خاصة، والأعراف السائدة التي تحمل في طياتها الضيم والحيد عن الجادة.
أجل…! البعثة المحمدية نعمة لا تدانيها نعمة، لا حسية ولا معنوية! كيف لا وقد مدح الله تبارك وتعالى رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- ونوّه شأنه في مواضع عديدة من كتابه الكريم بأساليب متنوعة، قال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ». أي وإنك يا محمد لعلی أدب تاریخي رفيع جم، وخلق فاضل كريم؛ فقد جمع الله فيك الفضائل والكمالات. يا له من شرف عظيم لم یدرك شأوه بشر! فرب العزة جل وعلا يصف محمدا بهذا الوصف الجليل.
وكان من خلقه -صلوات الله عليه- العلم، والحلم، وشدة الحياء، وكثرة العباده، والسخاء، والصبر، والشكر، والتواضع، والزهد، والرحمة، والشفقة، وحسن المعاشرة، والأدب، إلى غير ذلك من الخلال العلية والأخلاق المرضية. ولله در القائل:
أرى كل مدح في النبي مقصرا…وإن بالغ المثني عليه وأكثرا
إذا الله أثنى بالذي هو أهلهُ…عليه فما مقدار ما يَمدح الورى
وقال تعالى منوّها شأنه -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا» أي قد أنزل الله إليكم وحيا يتلى وهو القرآن الكريم، «رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ» أي وأرسل إليكم رسولا وهو محمد يقرأ عليكم آيات الله واضحات جليلات تبين الحلال والحرام، وما تحتاجون إليه من الأحكام، «لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» ليخرج المؤمنين المتقين من الضلالة إلى النور، ومن ظلمة الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم.
وقال تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ» أي ليس محمد إلا رسول مضت قبله الرسل، والرسل منهم من مات ومنهم من قتل: «أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ» أي أفإن أماته الله أو قتله الكفار ارتددتم كفارا بعد إيمانكم؟! «وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا» أي ومن يرتدَّ عن دينه فلا يضر الله، وإنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب. «وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ» (آل عمران١٤٤) أي يثيب الله المطيعين وهم الذين ثبتوا ولم ينقلبوا. وقال تعالى: «وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا، وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»
ويحذّر الذين يستبدلون طريقته السنية ومحجته البيضاء بالطرق المظلمة بقوله سبحانه: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (نور٦٣)
ويخبر ربنا سبحانه بأنه تعالى وملائكته يعتنون بشأن رسولنا الأعظم صلوات الله عليه، ويأمر المؤمنين أيضًا بالصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
و أخيرًا نؤكد بأن وظيفة المسلمين هو تعظيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومحبته، واتباع شرعه معا، ونعتقد أن المسلم  مهما كان شأنه يصلي عليه حيثما تيسرت له الظروف، ولا يسمح لأحد أن يسيء بجنانه الشريف.
وهناك فريق من المسلمين يبرزون محبتهم عن طریق عقد الاحتفالات، وقراءة الأناشيد، وفريق يؤكدون بأن المحبة الصادقة الالتزام بالكتاب والسنة، ورفض البدع والمحدثات.
ومما لا يختلف فيه اثنان أن السلوك على الطريقة الأخيرة هي الطريقة السليمة والمرضية.
نسأل الله المولى القدير أن يوفق الموجّهين والدعاة المخلصين بالدعوة إلى الدين الخالص والصراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا زائع، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

عبد الواحد مؤمني (عليبائي)

  • نویسنده: عبد الواحد مؤمني (عليبائي)