لا ینهض العالم الإسلامي إلاّ برسالته التي وکلها إلیه مؤسسه صلی الله علیه وسلم ،والإیمان بها، والاستماتة في سبیلها، و هي رسالة قویة، واضحة، مشرقة، لم یعرف العالم رسالة أعدل منها، ولا أفضل، ولاأیمن للبشریة منها.وهي الرسالةنفسها التي حملها المسلمون في فتوحهم الأُولی، والتي لخّصها أحد رسلهم في مجلس یزدجرد ملک إیران بقوله:«الّله ابتعثنا لنخرج […]

لا ینهض العالم الإسلامي إلاّ برسالته التي وکلها إلیه مؤسسه صلی الله علیه وسلم ،والإیمان بها، والاستماتة في سبیلها، و هي رسالة قویة، واضحة، مشرقة، لم یعرف العالم رسالة أعدل منها، ولا أفضل، ولاأیمن للبشریة منها.
وهي الرسالةنفسها التي حملها المسلمون في فتوحهم الأُولی، والتي لخّصها أحد رسلهم في مجلس یزدجرد ملک إیران بقوله:«الّله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلی عبادة اللّه وحده، ومن ضیق الدنیا إلی سعتها، ومن جور الأدیان إلی عدل الإسلام» رسالة لا تحتاج إلی تغییر کلمة وزیادة حرف، فهی منطبقةٌ تمام الانطباق علی القرن العشرین انطباقها علی القرن السادس المسیحي،کأنَّ الزمان قد استدارکهیئته یوم خرج المسلمون من جزیرتهم لإنقاذ العالم من براثن الوثنیة والجاهلیة.
فلایزال الناس الیوم عاکفین علی أصنام لهم -من أوثان منحوتة،ومنجورة،ومقبورة،ومنصوبة-ولاتزال عبادةاللّه وحده مغلوبةً غریبةً،ولاتزال الفتنة قائمة علی قدم وساق،ولایزال إله الهوی یُعبد،ولایزال الأحبار،والرهبان،والملوک والسّلاطین ،وأصحاب القوة والثروة ،والزعماء،والأحزاب السیاسیة أربابا ًمن دون اللّه تقرّب لهاالقرابین ،وینصب لها الجبین.
وکذلک العالم الیوم رغم اتساعه،وتوفروسائل السفر،والانتقال من مکان إلی مکان، واتصال الشعوب والأمم بعضهاببعض أضیق بأهله منه بالأمس،قدضیقته المادیةالتي لاتنظر إلّاإلی قدمها،ولاتؤمن إلابفائدة صاحبها، ولاتعرف غیر العکوف علی الشهوات، وعبادة الذات، وقد خنقته الأثرةالتي لاتسمح لاثنین بالعیش في إقلیم واسع، والوطنیة الضیقة التي تنظر إلی کل أجنبي شزراً، وتجحد له کلّ فضل، وتحرمه کلَّ حق.
ثم ضیَّق خناق هذه الحیاة المادیة المسیطرون السیاسیون، الذین یحتکرون وسائل الحیاة، والرّزق، والقوت، یضیقون هذه الحیاة لمن شاؤوا، و یوسعونها لمن شاؤوا،ویبسطون الرزق-زعموا-لمن شاؤوا،ویقدرونه لمن شاؤوا،فأصبحت المدن الواسعةأضیق من جحرضب،وأصبح النّاس في بلادهم في شبه حجر کحجر السفیه والیتیم، وضاقت علی النّاس الأرض بما رحبت،وضاقت علیهم أنفسهم،وأصبح الناس في أغلال وأصفادمن المدنیّة والمملکةمهددین في کلّ وقت بمجاعات مصطنعة، حقیقیة، وحروب خارجیة،وداخلیة،وإضرابات واضطرابات أسبوعیة،ویومیة.
نعم ومن جورالأدیان إلی عدل الإسلام!ولاتزال في هذاالعصرالمتنورالواعي المثقف أدیان تعبث بعقول النّاس،وتسخرهم کالحمیروالبقر،وتزین لأتباعهاقتل مئات من البشر لأجل بقرة ذبحت في عید الأضحی،أوشجرة مقدسةعضدت في قریة من القری.
وهنالک أدیان بغیر اسم الأدیان لاتقلّ في نفوذها وسلطانها،ولا تقلُّ في جورها،وعدوانها، وعبثها بعقول أتباعها،وفي عجائبها عن الأدیان القدیمة،وهي النظم السیاسیة،والنظریات الاقتصادیة التي یؤمن بها الناس کدین ورسالة،کالجنسیة، والوطنیة، والدیموقراطیة والاشتراکیة، والدّکتاتوریة، والشیوعیة، وهي أقلُّ مسامحة لمن لایدین بها، وأشدُّقسوة علی منافسیها، وأضیق عطنا ًمن الأدیان الجاهلیة،والاضطهادالسیاسي الیوم أفظع من الاضطهادالدیني في القرون المظلمة، فإذا تغلب حزب من الأحزاب الوطنیة ، أوساد مبدأُ من المبادیءالسیاسیة، أو انتصر فریق ٌعلی فریق في الانتخاب؛ سدّ في وجه منافسه الأبواب، وعذّبه أشدَّ العذاب، و ما حرب أسبانیا الأهلیة التي دامت مدة طویلة،وسفکت فیهادماءٌغزیرة،وماحرب الصین التي قامت بین الجمهوریین والشیوعیین من أهل الصین، وحرب «کوریا» التي قامت بین الجنوبیین والشمالیین، إلا نتیجة اختلاف في العقیدةالسیاسة، والنظریات الاقتصادیة.
فرسالة العالم الإسلامي هي الدعوة إلی الله و رسوله، والإیمان بالیوم الآخر، وجائزته الخروج من الظلمات إلی النور،ومن عبادة الناس إلی عبادةالله وحده،والخروج من ضیق الدنیا إلی سعتها،ومن جورالأدیان إلی عدل الإسلام، وقد ظهر فضل هذه الرسالة،و سهل فهمها في هذا العصر أکثر من کل عصر،فقد افتضحت الجاهلیة، وبدت سوءاتها للناس، واشتدّ تذمّر الناس منها، فهذا طور انتقال العالم من قیادة الجاهلیة إلی قیادة الإسلام،ولو نهض العالم الإسلامي،واحتضن هذه الرّسالة بکلّ إخلاص وحماسة وعزیمة،ودان بها کالرسالة الوحیدة التي تستطیع أن تنقذ العالم من الانهیار والانحلال.


العلامة الداعیة السید أبوالحسن الحسني الندوي رحمه الله