فمن ثم إن من أهم ما يجب على العبد العناية به طيلة حياته هو الجليس الصالح؛ الذي ينال به الرفعة في دينه ودنياه؛ الذي تُنعش رؤيته ذكرى الله في قلبك، وتزداد بكلامه علما، وقوة، وإيمانا؛ وعمله يحضرك هم الآخرة.

إن المتأمل في سير العظماء والكبار الذين غيروا مجرى العالم بجهودهم واجتهادهم؛ الذين أسقطوا عن كواهل الأمة ثقلا ثقيلا، وحملوا الرسالة المحمدية العظيمة سيجدهم قد ترعرعوا في أحضان جلساء صالحين صادقين ناصحين.
وكان لهؤلاء القرناء دور هام في تطورهم وتكوين شخصيتهم.
وإلى ذلك يشير الله تعالى في سورة التوبة وهو يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ». وأمر نبيه -صلى اللّٰه عليه وسلم- تعليمًا إيانا: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا».
فمن ثم إن من أهم ما يجب على العبد العناية به طيلة حياته هو الجليس الصالح؛ الذي ينال به الرفعة في دينه ودنياه؛ الذي تُنعش رؤيته ذكرى الله في قلبك، وتزداد بكلامه علما، وقوة، وإيمانا؛ وعمله يحضرك هم الآخرة.
فينبغي على كل عبد مؤمن ناصح لنفسه أن يتفقد من يخالطه وينظر في حال جلسائه؛ هل هو يقوى وينمو ويتطور بهم، أم هو بخلاف ذلك يضعف وينقص ويتأخر؟! هل هو في سمو وصعود أم إلى نزول وهبوط؟!
بل ما أحوج الإنسان إلى أن يكون تحت إشراف من يكبره علما وخبرة؛ لكي يخلو إليه في أموره ويتجرع من علمه ومعنوياته حتى يقف على الدرب الصحيح وينال غايته المنشودة.
لكن مع ذلك كله هو أحوج إلى الحذر من قرناء السوء وخلطاء الفساد، وغير ذلك من الأمور التي يترتب عليها ضعف الإنسان وبعده عن المقصود وسواء السبيل.
وهذا هو الذي بعثني إلى أن آخذ قلمي وأقوم بكتابة كلمات منكسرة على سطور معدودة من أوراق دفتري. و ها أنا الآن أشير إلى أهم ما يسبب عدولك عن طريق الحق وأنت مطالَب بمعرفته لتحذر منه وتتقيه، كما قال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه
ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
لعلك أيها القارئ قد قرأت في كلام الله -عز وجل- أحوال أهل الجنة عندما يتسائلون عن ما مر بهم في دنياهم: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ». ثم قال ذلك القائل لإخوانه: «هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ» [معي إلي النار لننظر حاله؟ «فَاطَّلَعَ [بعض كوى الجنة] فَرَآهُ [أي قرينه] فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ، قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ، وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [معك في النار]».
فتراه قد أنجاه الله تعالى من قرين السوء وكتب له أن يكون من أهل الجنة ولولا ذلك لكان من أصحاب النار ولا شك!
وإليك مثالا آخر في سورة الفرقان، أرجو الله تعالى أن يشرح به صدورنا وأن يجعلنا نتعظ به ونعتبر. وهو قصة عقبة ابن أبي معيط -سوّد الله وجهه- إذ يرى يوم القيامة ما أكرم الله به محمدا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم- من جنة الخلد، والرضوان الخالد، وغير ذلك من النعمات التي ما رأتها عين، ولا سمعتها أذن، ولم يخطر على قلب بشر؛ فيعضّ على يديه حسرة وندامة، قائلا: «يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا». ثم يزيد: «يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا [وهو أبي بن خلف] خَلِيلًا» إذ هو أضلّه عن الهداية بعدما جاءته؛ وبعدما بايع محمدا -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام.
وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التحذير من قرين السوء وخليط الفساد، حيث قال: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».
فيستوجب الإنسانُ أن لا يصاحب إلا من تعود عليه من صحبته بالخير والنفع في دينه أو دنياه، وأن يجتنب من مخالطة كل أحد وأن لا يجالس كل من شاء.
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: «اعتبروا الناس بأخدانهم فإن المرء لايخادن إلا من يعجبه».
وهناك ملحوظة هامة أستحسن إلقائها إليك؛ وهي: أن ضعف الإنسان وربما اضمحلاله وتلاشيه بحسب حال أقرانه السوء، وبحسب خلطته لهم! فلابد لك أن تلاحظ هذين الشيئين قدر المستطاع!
ومما استجدّ في زماننا -وهو داخل في حكم الصاحب بل أمره أشدّ- الجلوس إلى القنوات الفضائية والمواقع المنحرفة في الشبكة العنكبوتية، حيث تمكن أعداء الدين من خلال هذا المجال الدخول إلى المساكن والبيوت، يحملون رذائلهم  وحقارتهم وفجورهم. وكانوا سابقا يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشباب وعقول الناشئة.
و إن من المؤسف حقا أن أصبح في أبناء المسلمين وبناتهم من يجلس أمام هذه الشاشات المدمرة الساعات الطوال، يصغون إليها بأسماعهم، وينظرون إليها بأعينهم، ويقبلون على ما تعرضه بقلوبهم. ومع مر الأيام تتسلل الأفكار الخبيثة وتتعمق المبادئ الهدامة، وتُغزى العقول والأذهان  ويتزايد الشر والفساد.
فعليك أن تصون نفسك وبيتك عن معاول الهدم وطرائق الشر عالمًا بأنه من المحال أن لا يتأثر الإنسان بمن أو ما يجالسه؛ وفقًا لما قال رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم-: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ؛ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً». (رواه البخاري)
فالأمر في غاية الحظورة والحافظ هو الله، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
  • نویسنده: محمد محمدخاني