كما ذكرت لكم لمّا نعمّق النظر والبحث في الصوم نجد ونوقن بأنه تعالى قد جعل فيه الفوائد والحكم. وإني قمت بتنقيب هذا الموضوع، فألفيت طائلات غزيرة وثمرات كثيرة؛ والآن نقتصر ببعض منها لطول الكلام وضيق المقام.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: قال الله تبارك وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿۱۸۳﴾« بقرة.
لاشكّ أنّ كل فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى على المسلم لا تخلو عن الحكمة والفائدة؛ لأنه يريد صلاح عبده وسعادته في الدنيا والآخرة.
وقد شرع لنا الله عز وجل العديد من العبادات من صلاة وصوم وغيرها لتقرّبنا منه ولننال جزيل الأجر والثواب، وكي نحظى بمحبّته ورضاه. وكل عبادة يقوم بها المسلم لها منزلة خاصة، ولها أجرها وثوابها عنده تعالى.
ومن العبادات التي شرعها الله عزوجل لعباده هي عبادة الصوم. وإنّه قد ييسّر الأسباب ويمهّد الطريق ويؤازر المسلم ويساعده في دخوله الجنة التي عرضها السموات والأرض.
وعن سهل -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنّ في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لايدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»متفق عليه.
كما أنّه جنّة يستجنّ بها العبد من النار أيضا يدفع عنه الكثير من الأمراض الجسميّة، ويعيق عنه الأدواء البدنيّة، ويحقن إليه نشطة مؤزّرة وقوّة متدفّقة؛ وبالتالي يؤدّي إلى أنّ المسلم يقوم بأعماله بالنشاط والجدّ والحيويّة.
إني لا أقول من تلقاء نفسي؛ بل يقول ويبيّن لنا طبيب الأطبّاء النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- حيث روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: اغزوا تغنموا، صوموا تصحّوا، وسافروا تستغنوا رواه الطبراني في الأوسط.
كم حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة الإسلاميّة وأصحابه الكرام على الصيام، وجعل جزاء لمن صام صحّة بدنه وسلامة جسمه في حياته الدنيويّة، والآن بعد ألف وأربعمئة سنة قد أثبتت دراسات الاختصاصييّن والمتنقّبين أنّ للصوم فوائد خارقة للعادة على جسمه و بدنه. قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في شرح أسرار الصوم: «للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجانب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة له من صحتها؛ فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات؛ فهو من أكبر العون على التقوى كما قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿۱۸۳﴾«.
زاد المعاد ج٢ ص١٥٢.
كما ذكرت لكم لمّا نعمّق النظر والبحث في الصوم نجد ونوقن بأنه تعالى قد جعل فيه الفوائد والحكم. وإني قمت بتنقيب هذا الموضوع، فألفيت طائلات غزيرة وثمرات كثيرة؛ والآن نقتصر ببعض منها لطول الكلام وضيق المقام.
فوائد الصيام الدينية:
التقوى: السمة المرموقة التي يعثر عليها الصائم وهي أمثل ثمرة يجنيها المؤمن في شهر رمضان، ويشوّف بها أعماله الصالحة هي التقوى. ومعناه الصيانة والابتعاد عما نهى الله عنه، والإطاعة لما أمر الله به، وأن يقوم المسلم بعبادة ربه تعالى والامتثال لأوامره على أكمل وجه و أحسن حالة. ولما كان الإنسان ممسكا عن الأكل والشرب والوقاع وعن كل شيء مما يتعلق بالقوة الشهوانية فييمّم وجهه نحو الله سبحانه وتعالى وشعائره من المساجد والمراكز الدينية والمعاقل الإسلامية، ويتوجه إليها أكثر بالنسبة إلى الأشهر الأخرى، وطفق يمدّ يده المحتاجة إلى الغني الذي برئ من الحوج والشَظَف، ويستخدم السلاح الذي هو مخ العبادة. وإليكم ما قال الصحابة الكرام وعلماءنا السلف عن التقوى:
«سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أبيّا عن التقوى؛ فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال: تشمّرت وحذرت؛ قال: فذاك التقوى.
وقال أبو سليمان الدّاراني: المتقون الذين نزع الله عن قلوبهم حبّ الشهوات. وقد أجمل ما قال ابن المعتزّ:
خـل الذنـوب صغـيرهـا
وكـبـيرهــا ذاك الــتـقـى
واصـنع كـماش فـوق أر
ض الشـوك يـحـذرمـا يـرى
لا تــحـقـرنّ صـغـيــرة
 إنّ الــجـبال مـن الحـصى
الصبر:
الميزة الثانية هي الصبر. الصوم يجعل المسلم صبورا وحمولا أمام المصائب والكوارث؛ فإن المسلم قد يمسك نفسه عن المشتهيات والمتطلبات التي تشتهيها الأنفس وتلذ الأعين إلى ما حدّده الله وهو غروب الشمس، ويغلب على نفسه الأمّارة بالسوء، ويقلع عن المعاصي والذنوب. فترى كثيرا من الناس المتديّنين أنهم يكرمون شهر رمضان غاية الإكرام و يقومون بأعمال شاقّة ترهق النفس وتثير غليلها وتجعلها مستطيبة إلى أطعمة شهيّة ومآكل لذيذة؛ ولكن مع ذلك يتركون أهواء النفس ويلبّون نداء ربّهم ويحقّقون ما أمروا. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»آل عمران٢٠٠.
الصوم شفيع لصاحبه:
الصيام شفيع لصاحبه يوم القيامة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «الصيام  والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوة فشفّعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان.
وأما فوائد الصيام الصحية:
فإنه يساهم في علاج الكثير من أمراض الجسم، منها: ١- أمراض جهاز الهضم. ٢- سوء الهضم   ٣- كذلك علاج في البدانة. ٤- ارتفاع ضغط الدم  ٥- خناق الصدر وتصلّب الشرايين
 إن الصيام قد عني به أطباء الكون البارعون وحملهم على الدراسة والتحري فيه، وبعثهم على اكتشاف الفوائد الجسمية منه، وهم أيقنوا بأنه يزيل كثيرا من الأمراض الخطيرة والفتّاكة؛ حتى وصل بهم الحال إلى أنهم يوصون مرضاهم به ويقدّمون إليهم هذه الوصفة المؤثرة.
أقوال الأطباء والاختصاصيّين غير المسلمين في الصوم:
قد كتب الطبيب السويسري بارسيلوس: «إن فائدة الجوع في العلاج قد تفوق بمرات استخدام الأدوية.
ویقول الدکتور جان فرموزان أحد العلماء الغربيين: «في بداية ممارسة الصوم يصير اللسان حاملا ويزداد عرق البدن ويصير الفم ذا رائحة وبين الفينة والأخرى يرشح الأنف ماء، وكل ذلك أمارة بأن البدن قد طهر طهارة تامة وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تزول الرائحة ويحسّ المريض بالراحة والرخاء والفرح والمرح، إذًا تستريح الأعضاء».
وقال الدكتور كارلو إمريكيّ:» الإمساك الذي فرضه الإسلام أكبر ضمين لصحة الجسم وعلاج طويل لهذه الأمراض التالية: التهاب الأمعاء، الأمراض العينية، الصداع الشديد، الملال، ضعف التناسل، أمراض المعدة والمعاء، انطباعة حسنة للجلد و…»
 أيها السادة الأعزاء!
كل هذه الواجبات التي أوجبها الله تعالى على المسلم وأمره بتحقيقها لها منزلة خاصة وآثار أثيثة في حياته. في عصرنا هذا عصر التكنولوجيا والشبكة الدولية نرى ونشاهد عددا غزيرا من الأطباء غير المسلمين بعد تنقيبات وافرة يعتقدون بأن الإسلام دين الرأفة والرحمة والاعتدال والوسطية، دين تام من كل جانب من جوانب حياة الإنسان؛ من جرّاء هذا يعتنقون الإسلام ويدخلون في دين الله أفواجا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  • نویسنده: دانیال درویشي