إن من غرائب الأمر أن یَعتقدَ کثیرٌ من الناس أن التصوفَ هو الکمالُ في الدینِ و الدرجةِ التي تدعی بدرجةِ الإحسان و هي أعظمُ درجةٍ من درجات الإسلام و الإیمان و یعتقدون أن المنزلة التي تُحصل للمتصوفین و الأولیاءِ عندالله تعالی من حیثُ التقربِ و الدُنوِّ إلیه لاتُحصل لغیرهم حتی لکبارالفقهاءو المحدثین الذین یحملون العلومَ […]

إن من غرائب الأمر أن یَعتقدَ کثیرٌ من الناس أن التصوفَ هو الکمالُ في الدینِ و الدرجةِ التي تدعی بدرجةِ الإحسان و هي أعظمُ درجةٍ من درجات الإسلام و الإیمان و یعتقدون أن المنزلة التي تُحصل للمتصوفین و الأولیاءِ عندالله تعالی من حیثُ التقربِ و الدُنوِّ إلیه لاتُحصل لغیرهم حتی لکبارالفقهاءو المحدثین الذین یحملون العلومَ الشرعیةَ و في جانب آخر نجد شبهاتٍ کبیرةً و أفهاماً خاطئةً تسربت إلی الناس عن طریق التصوف و لانحسب إن مثلها عمت و انتشرت عن طریق نحلةٍ من النحل الإسلامیة.
وقال الإمام الندوي: متی حدثت هذه الکلمة؟و لم نعرف لها اثراً في الکتاب و السنة و ما جاءت في کلام الصحابة و التابعین لهم بإحسان و ما عرفت في خیر القرون و کل ما کان هذا شأنه فإنه من البدع المستحدثة و حمیت المعرکة بین أصدقائه و خصومه و أما إذا عدلنا عن هذا المصطلح الذي نشأ و شاع في القرن الثاني ورجعنا إلی الکتاب و السنة عصرالصحابة و التابعین و تأملنا القرآن و السنة وجدنا القرآن ینوه بشعبة من شعب الدین مهمة من مهمات النبوة یعبر عنها بلفظ التزکیة و یذکرها کرکنٍ من أرکان الأربعة التي بعث الرسول الأعظم (صلی الله علیه و سلم)لتحقیقها و تکمیلها «هوالذي بعث في الأمیین رسولاً منهم یتلوا علیهم آیاته و یزکیهم و یعلمهم الکتاب و الحکمة و إ ن کانوا من قبل لفي ضلالٍ مبینٍ»و هي تزکیة النفوس و تهذیبها و تحلیتها بالفضائل وتخلیتها من الرذائل. التزکیةالتي نری أمثلتها الرائعة في الصحابة رضوان الله علیهم أجمعین إخلاصهم و أخلاقهم و یعتقد الإمام الندوي لو سمي هذا العلم الذي یتکفل بتزکیة النفوس و تهذیبها «التزکیة» أو «الإحسان» أو«فقه الباطن»لانحسم الخلاف وزال الشقاق وتصالح الفریقان. فالتزکیة و الإحسان و فقه الباطن حقائق شرعیة علمیة مفاهیم دینیّة ثابتة من الکتاب و السنة یقرّبها المسلمون.
وأیضاً لو ترک المتصوفون الإلحاح علی منهاج عمليٍ خاصٍ للوصول إلی هذه الغایة التي تعبر عنها بالتزکیة أو الإحسان أو فقه الباطن لم یختلف فیه إثنان.
و من هنا کانت جنایة هذا المصطلح و العرف الشائع علی هذه الحقیقة الدینیة الناصعة عظیمة فقد حَجَبَتها عن أنظارٍ کثیرةٍ و صدت فریقاً من الناس عن سبیلها.
ثم جنی علی هذه الحقیقة الدینیة شيءٌ آخر و هو أنه دخل فیه دجّالون و محترفون و باطنیون و ملحدون اتخذوها وسیلةً لتحریف الدین و إضلال المسلمین و إفساد المجتمع.
حدوث مصطلح التصوّف
کانت العلوم کلها غیرممیزة في معالمها وغیرمحدّدة في أشکالها في عصر الرسول صلی الله علیه وسلم.و إنما مَیزها و قرر حدودها ومعالمها و وضع أسماءها علماء الإسلام في عصر تلا عصر الرسول صلی الله علیه وسلم لأنهم حینما درسوا الشریعةالإسلامیة في أنحائها المختلفة و خاضوا في أعماقها وجدوها تحتاج إلی تقسیمها و توزیعها بین أجزاء مختلفة لیسهل أمر دراستها یمکن الإحاطة بها إحاطة متزنة متینة کذالک کان التصوف أیضاً في ذلک الوقت في مرحلة بدائیة و غیر ممیز و کان داخلاً في علوم مختلفة و کان الناس یستفیدون به حسب ما یحتاجون إلیه حتی اقتضی الأمر أن یحددوا معالمه و یجعلوه في علم بعینه ففعلوا وسمَّوه بکلمة «التصوف»
تأثیر التصوف في الحیاة
فتأثیر التصوف في الحیاة هو تطهیر الباطن و تحلیته بالفضائل و السجایا.
و أما غایته: فهي إیجاد الإنابة إلی الله و رفض الدنیا و زهرتها کما نری أن الخلفاء الراشدین کانوا في منتهی البساطة و السذاجة في حیاتهم و یقول الدکتور علي أصغر الحلبي في کتابه «مباني عرفان و احوال عارفان» (بالفارسیة) أن سذاجة حیاة أبي بکر و أمیرالمؤمنین علي و عمر و حتی عثمان آیة علی رفضهم الدنیا و إنابتهم إلی الأخرة و أن الرسول صلی الله علیه و سلم کان في حیاته المکیة یسلک هذا السلوک و ربما کان لایکاد یأمن من خوف الله و قال عليٌّ في وصفه صلی الله علیه و سلّم: خرج من الدنیا خمیصاً و ورد في الأخرة سلیماً لم یضع حجراً علی حجر و لقد کان یأکل علی الأرض و یرقع بیده ثوبه و یرکب الحمار العاري و یردف خلفه.
وفي نفس الکتاب نقرأ أن رجلأ دعا الإمام جعفر الصادق للخلافة فقال له :ما أنت من رجالي و لاالزمان زماني.
و الإمام أبوحنیفة لم یرق في عینه منصب القضاء و تولی عنه کخائف معقب فارٍ.
و کل هذا کان من تأثیر التزکیة و الإحسان أو التصوف بما حملهم لمحاولة الوصول إلی الفلاح الأخروي و الزهد عن الدنیا و زخرفها.
و لهذا قیل إن علم التصوف علمٌ علی صدق التوجه إلی الله بالعبادة و الزهد علی مذاهب أهل السنة و الجماعة.
شذرات من أقوال الأئمة و العلماء في التصوف
نقل الفقیه الحنفي الحصکفي صاحب الدر: أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالی قال:(أنا أخذت هذه الطریقة من أبي القاسم النصرآباذي، و قال أبوالقاسم :أنا أخذتها من الشبلي ، و هو من السري السقطي،وهو من معروف الکرخي ، و هو من داود الطائي ، و هو أخذ العلم و الطریقه من أبي حنیفة النعمان رضي الله عنه و کل منهم أثنی علیه و أقر بفضله ).
(الدر المختار ج1 /ص43)
الإمام الشافعي
صحبت الصوفیّة فاستفدت منهم ثلاث کلمات:
قولهم:الوقت سیف إذا لم تقطعه قطعک.
قولهم: نفسک إن لم تشغلها بالحق شغلتک بالباطل.
وقولهم:العدم عصمة.
وقال أیضا:(حبب إلی من دنیاکم ثلاث : ترک التکلف، و عشرة الخلق بالتلطف ، و الاقتداء بطریق أهل التصوف.)
(الإمام مالک)
من تفقه و لم یتصوف فقد تفسق،و من تصوف و لم یتفقه فقد تزندق و من جمع بینهما فقد تحقق.
(الإمام أحمد)
( لا أعلم أفضل منهم، قیل إنهم یستحیون و یتواجدون، قال دعوهم یفرحوا مع الله ساعة…).
(الإمام ابن تیمیة في فتاواه ج1 / ص516 )
فأما المستقیمون من السالکین کجمهور مشایخ السلف مثل الفضیل بن عیاض ، و إبراهیم بن أدهم ، و أبی سلیمان الداراني، و معروف الکرخي ، و السري السقطي، و جنید بن محمد ، و غیرهم من المتقدمین و مثل الشیخ عبدالقادر الجیلاني و الشیخ حماد و الشیخ أبي البیان ، و غیرهم من المتأخرین ، فلایسوغون للسالک و لو طار في الهواء أو مشی علی الماء أن یخرج عن الأمر و النهي الشرعیین ، بل علیه أن یعمل المأمور و یدع المحظور إلی أن یموت و هذا هو الحق الذي دل علیه الکتاب و السنة و إجماع السلف، و هذا کثیر في کلامهم.
(الإمام فخر الدین الرازي في « اعتقادات فرق المسلمین المشرکین » ص72 )
اعلم أن أکثر من حصر فرق الأمة لم یذکر الصوفیة و ذلک خطأ لأن حاصل قول الصوفیة أن الطریق إلی معرفة الله تعالی هو التصفیة و التجرد من العلائق البدنیة، و هذا طریق حسن و قال أیضاً: و المتصوفة قوم یشتغلون بالفکر و تجرد النفس من العلائق الجسمانیة ، و یجتهدون أن لا یخلو سرهم و بالهم عن ذکر الله تعالی في سائر تصرفاتهم و أعمالهم، منطبعون علی کمال الأدب مع الله عز و جل ، و هؤلاء هم خیر فرق الآدمیین.
(ابن خلدون في مقدمته)
« هذا العلم من العلوم الشرعیة الحادثة في الملّة، و أصله أن طریقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة و کبارها من الصحابة و التابعین و من بعدهم طریقة الحق و الهدایة، و أصلها العکوف علی العبادة و الانقطاع إلی الله تعالی، و الإعراض عن زخارف الدنیا و زینتها، و الزهد فیما یقبل علیه الجمهورمن لذة ومال و جاه و الانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة و کان ذلک عاماً في الصحابة و السلف، فلما فشی الإقبال علی الدنیا في القرن الثاني و ما بعده، و جنح الناس إلی مخالطة الدنیا ،اختص المقبلون علی العبادة باسم الصوفیة.
(الإمام أحمد السرهندي في کتابه «أنوار القوم القدسیة»)
اعلم یا أخي أن الله کلفنا امتثال الأوامر واجتناب النواهي. . و إذا کنا مأمورین بالإخلاص في ذلک وهو لا یتصوَّربدون الفناء و بدون المحبة الذاتیة ، وجب علینا أیضاً سلوک طریق الصوفیة الموصلة للفناء والمحبة، حتی تتحقق حقیقة الإخلاص، و لما کانت طرق الصوفیة متفاوتة الکمال والتکمیل، کان کل طریق تُلتَزَمُ فیه متابعة السنة السنیة، وأداء الأحکام أولی وأنسب بالاختیار. وإن هؤلاء الأکابرالتزموا في هذه الطریقة متابعة السنة و اجتناب البدعة، ویجعلون الأحوال والمواجید تابعة للأحکام الشرعیة . . والکتاب والسنة عندهم أولاً قبل کل شيء.
والتصوف الذي أردتُ هو الإسلام الکامل في مقاصده وأهدافه، والصوفیة السابقون و کثیرون اللاحقون استقام سلوکهم علی هذا المبدأ في منهجه و لا شأن لي فیما شارک اسماً و امتلأ بالدخائل والبدع، فذلک ما لم أقصد إلیه، فإن التصوف حال أکثرمنه قالاً، وإن من سلک سبیلالقوم بصدق ذاق ما ذاقوه إن شاء الله تعالی له ذلک».
( الإمام النووي )
إن أصول طریق التصوف خمسة:
1_ تقوی الله تعالی في السرّ و العلانیة.
2_ اتباع السنة في الأقوال و الأفعال.
3_ الإعراض عن الخلق في الإقبال و الإدبار.
4_الرّضا عن الله في القلیل و الکثیر.
5_ الرجوع إلی الله في السرّاء و الضرّاء.
(الإمام الغزالي في المنقذ من الضلال)
والقدر الذي أذکره لینتفع به هو أني علمتُ یقیناً أن الصوفیة هم السالکون لطریق الله تعالی .
وأن سیرتهم أحسن السِّیر و طریقهم أصوب الطرق وأزکی الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحکمة الحکماء وعلم الواقفین علی أسرارالشرع من العلماء لیغیروا شیئاً من سیرهم و أخلاقهم و یبدلوه بما هو خیر منه لم یجدوا إلی ذلک سبیلاً، و إن جمیع حرکاتهم و سکناتهم في ظاهرهم و باطنهم مقتبسة من نور مشکاةالنبوة ولیس وراء نور النبوة علی وجه الأرض نور یستضاء به، فأیقنتُ أنهم الفرقة الناجیة و ماذا یقول القائلون في طریقة أول شروطها: تطهیر القلب بالکلیة عما سوی الله تعالی، و عمادهما و مفتاحها الجاري منها مجری الإحرام في الصلاة: استغراق القلب بالکلیة بذکرالله، وآخرها : الفناء بالکلیة في الله.
(الإمام القُشیري في الرسالة القشیریّة)
(جعل الله هذه الطائفة صفوة أولیائه، و فضلهم علی الکافة من عباده بعد رسله و أنبیائه صلوات الله و سلامهم علیهم، و جعل قلوبهم معادن أسراره وأخصّهم من بین الأمة بطوالع أنواره، فهم الغیاث للخلق ، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق، صفاهم من کدورات البشریة ورقاهم إلی محل المشاهدات بما تجلی لهم من حقائق الأحدیة، ووفقهم للقیام بآداب العبودیة وأشهدهم مجارياً بأحکام الربوبیة، فقاموا بأداء ما علیهم من واجبات التکلیف، و تحققوا بما منّه سبحانه لهم من التقلیب و التصریف، ثم رعوا إلی الله سبحانه و تعالی بصدق الافتقار و نعت الانکسار، ولم یتکلموا علی ما حصل منهم من الأعمال أو صفا لهم من الأحوال، علماً منهم بأنه جلّ وعلا یفعل ما یرید، و یختار من یشاء من العبید، لا یحکم علیه خلق، ولا یتوجه علیه لمخلوق حق، ثوابه ابتداء فضل، و عذابه حکم بعدل، أمره قضاء فصل).
(الشیخ محّمدعبده)
أما أرباب النفوس العالیة السامیة من العرفاء (الصوفیة) ممن لم تدن مراتبهم من مراتب الأنبیاء ولکنهم رضوا أن یکونوا لهم أولیاء، و علی شرعهم و دعوتهم أمناء، فکثیر منهم نال حظه من الأنس بما یقارب تلک الحال في النوع أو الجنس، لهم مشاهد صحیحة في عالم المثال لا تنکر علیهم لتحقق حقائقها في الواقع فهم لذلک لا یستبعدون شیئاً مما یحدَّث به عن الأنبیاء صلوات الله و سلامه علیهم و من ذاق عرف و من حرُم انحرف و دلیل صحته ما یحدثون به، و منه ظهور الأثر الصالح منهم، وسلامة أعمالهم ممّا یخالف شرائع أنبیائهم وطهارة فطرهم مما ینکره العقل الصحیح أو یمجه الذوق السلیم.
(الشیخ محمد أبو زهرة )
نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلی متصوف بنظام التصوف الحقیقي، و ذلک لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسیطرت علی قلبه الشهوات. . و إذا سیطرت الأهواء و الشهوات علی جیل من الأجیال أصبحت خطب الخطباء لاتجدي، و کتابة الکتّاب لاتجدي، و مواعظ الوعاظ لاتجدي،و حکم العلماء لا تجدي، و أصبحت کل وسائل الهدایة لا تجدي شیئا.
إذاً لابد لنا من طریق آخر لإصلاح، هذا الطریق أن نتجه إلی الاستیلاء علی نفوس الشباب، و هذا الاستیلاء یکون بطریق الشیخ و مریدیه، بحیث یکون في کل قریة و کل حیٍّ من أحیاء المدن و في کل بیئة علمیة أو اجتماعیة رجال یقفون موقف الشیخ الصوفي من مریدیه.
إن العلاقة بین المرید و الشیخ، و بین مراتب هذا المرید هي التي یمکن أن تهذِّب و أن توجّه.
(الشیخ أشرف علي التهانوي )
التصوف لیس إلا تعبیراً للشریعة الإسلامیة و تفسیراً لها، لأجل ذلک یجب أن یدرس الناس کتب التصوف مثل کتاب « قوت القلوب » للمکي، و « العوارف » للسهرودي، و کتب الغزالي تماماً کما یدرسون کتب الفقه، فالتصوف لایمکن أن یصلح الأمر بغیره، لأن أول شيء في طریق التصوف هو تعلیم التواضع، و عنوانه في التصوف:»الفناء».
التصوف هوعنوان للأحکام التي تعالج الباطن و القلب، کما تعالج أحکام الفقه الحیاة الدینیة الظاهرة، و إن أحکام التصوف منصوصة في القرآن و الحدیث مثل أحکام الفقه.
( الأستاذ عباس محمود العقاد في الفلسفة القرآنیة)
التصوف في الحقیقة غیر دخیل في العقیدة الإسلامیة کما قلنا في کتابنا عن أثر العرب في الحضارة الأوروبیة، و مبثوث في آیات القرآن الکریم، مستکن بأصوله، في عقائد صریحة.
(الأستاذ أبو الأعلی المودودي )
إنما التصوف عبارة _ في حقیقة الأمر _ عن حب الله و رسوله الصادق، بل الولوع بهما و التفاني في سبیلهما، والذي یقضیه هذا الولوع والتفاني ألّا ینحرف المسلم قید شعرة عن اتباع أحکام الله و رسوله صلی الله علیه و سلم، فلیس التصوف الإسلامي الخالص بشيء مستقل عن الشریعة، و إنما هو القیام بغایة من الإخلاص و صفاء النیة و طهارة القلب.
(الدکتورعبد الحلیم محمود في قضیة التصوف)
التصوف لا یعدوأن یکون جهاداً عنیفاً ضد الرغبات لیصل الإنسان إلی السُّمو أو إلی الکمال الروحي، لیکون عارفاً بالله، وإن الذین یربطون بین التصوف من جانبا آخر کثیرون، ولکن التصوف لیس کرامات و لا خوارق العادات.
(العلامة أبو الحسن علي الندوي في ربانیة لا رهبانیة)
فلاشک أنه لولا هؤلاء «الصوفیة» أصحاب النفوس المزکاة، الذین وصلوا إلی درجة الإحسان وفقه الباطن لانعدم المجتمعُ الإسلاميُ، إیماناً روحانیاً، وابتلعت موجة المادیة الطاغیة العاتیة، الباقیة من إیمان الأمة و تماسکها، و ضعفت صلة القلوب بالله، و الحیاة بالروح، و المجتمع بالأخلاق، و فقد الإخلاص والاحتساب، و انتشرت الأمراض الباطنية و اعتلت القلوب و النفوس، وفقد الطبیب، وتکالب الناس علی حطام الدنیا، و تنافس أهل العلم في الجاه و المال و المناصب، و غلب علیهم الطمع و الطموح، و تعطلت شعبة من أهم شعب النبوة و بنیانها، وهي «تزکیة النفوس والدعوة إلی الإحسان وفقه الباطن».
(الأستاذ أنور الجندي في عالمیة الإسلام )
( و لاریب أن مفهوم التصوف العملي إنما هو الذي جاء به الإسلام من خلال الانقطاع للعلم باعتباره عبادة و جهاداً، حیث لاغرض مادي و لا سعي لشهرة زائفة بل وقف العقل والنفس للتعلیم و العلم و التربیة في ذلک هو مرضاة الله تعالی، علی أن یتم ذلک کله في إطار تقوی الله و الخوف منه و في محیط الأخلاق».
(الدکتور یوسف القرضاوي في الرسول والعلم )
علی المسلم أن یتعلَّم الأشیاء التي لا بد منها في الشرع، منها:
مایزکی به نفسه ویطهر به قلبه بأن یعرف الفضائل»المنجیات» لیتحراها و یتخلق بها، و یعرف الرذائل «المهلکات» لیتجنبها و یتوقاها، و یتعلم ما یضبط به سلوکه في علاقته أو مع أسرته أومع الناس حکاماً و محکومین، مسلمین وغیر مسلمین، فیعرف في ذلک الحلال من الحرام و الواجب من غیر الواجب واللائق من غیر اللائق.ولا یضیرنا أن یدخل هذا القدر تحت اسم التوحید أو الفقه أو التصوف أو الآداب الشرعیة أو الزهد و غیر ذلک.
فهذه التسمیات مصطلحات محدثة ولم یتعبدنا الله بها و إنما یهمنا المضمون ولا عبرة بالأسماء والعناوین متی وضحت المسمیات والمضامین، و هذا القدر من العلم یجب أن یکون إلزامیاً یتعلمه کل مسلم ومسلمة.
(الدکتور سعید رمضان البوطي في السلفیة)
التصوف بمعناه الحقیقي السلیم هو لب الإسلام، وجوهره الکامن في أعماق فؤاد الإنسان المسلم وبدونه یغدو الإسلام مجرد رسوم ومظاهر وشعارات، یجامل بها الناس بعضهم بعضاً وهذا اللباب یتمثل في الرغبة والرهبة إذ تهیمن علی قلب المسلم حباً له ومخافة منه فیتطهر فؤاده من أدران الضغائن والأحقاد وحب الدنیا. . ولا توقفنک إزاء هذه الحقیقة مشکلة الاسم، فلقد کان التحلي بهذا اللباب في صدر الإسلام مسمی لا اسم له إلا الإسلام، ثم سمي فیما بعد بـ«التصوف».

محمود السروري