ولديكم ميزة أخرى أن اللغة العربية لبثّ الدعوة الاسلامية ولنشرها، فلا بد أن نكون أصحاب طموح فلا نکتفي أننا دعاة فارسيين فقط، فعلينا أن نخاطب العالم جميعا، فالعالم يهتم بالعربية وسوف تتهیأ فرصة حتى نخاطب وجوها أخرى غير هذه الوجوه التي نراها يوما وليلة، ربما نشترك في المحافل العالمية ونخاطب العالم.

نحمده ونصلي على رسوله الکریم، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا وزدنا علماً وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحین، قال الله تعالی في محکم کتابه: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»
یسرّني ویحلو لي أن أخاطب هذه المجموعة الكريمة المباركة وهؤلاء الأفاضل الأماجد وذاك في قرية من قرى خراسان بعيدا عن معهد اللغات، فقد اشتركنا وساهمنا في حفلات كثيرة في جامعة دار العلوم بزاهدان وربما في محافظة أخرى في مراكز المدن، لكن في القرى حتى الآن لا أذكر أن أشترك في مثل هذه المجموعة الكريمة! أنتم اجتمعتم لكنني أنا بدوري ما رأيت نفسي في قرية بعيدة عن معهد اللغات من المراكز العلوم للغة العربية! ثلةٌ من الإخوة الطيبة المؤمنة لها النشاطات بالنسبة إلى إحیاء اللغة العربية وهذه نعمة من الله عز وجل. رحم الله أساتذتكم المشرفين والمسؤولين الأحياء منهم والأموات الذين غرسوا هذه الدوحة المباركة (الشجرة الكبيرة وافرة الظلال) في هذه القطعه جذورها عميقه، فروعها مرتفعه ببركة الله عزوجل هذه الدوحة ترجع أصولها وفروعها الى الدوحة المباركة والشجرة المثمرة في البلاد الإسلامية بدأ من الحجاز حتى الهند ودار العلوم زاهدان وفي الأخير إلى هذه القطعة المباركة إلى هذه المدرسة.
والنکتة الأولى أن نشكر الله عز وجل بأن وفقنا أن نقوم بإحياء اللغة في هذه الجامعة تحت إشراف الأساتذة ومن قوائم الشكر وأصوله قبل كل شيء أن نتأمل ونتفكر على النعمة؛ فالذي عنده مال فالشكر على نعمة المال واجب واختاره الله عز وجل، كم من أناس ولكن الذین يختارهم لنعمته قليل، وهناك جامعات كثيرة؛ ولكن الله عز وجل اختارکم لهذه المهمة.
والثانية بالنسبة إلى هذه النعمة؛ بعد أن تأملناها وتفكرنا فيها علينا أن نقوم بواجبنا تجاه هذه النعمة؛ فالذي يعطيه الله عز وجل المال فشكره القیام بواجب المال، ينفق المال في سبيل من أعطاه هذا المال، في خدمة المولى الذي منحه هذا المال، فيؤدي زكاته وعشره ونفقاته. والنعمة التي نتكلم عنها في هذه الساعة هي اللغة العربية وتوفيق هذه الأرضيه، هذا المجال المبارك لهذه المجموعة، وهؤلاء الأساتذة والدروس والبرامج والكتب، ثم من أصول الشكر بالنسبة إلى هذه النعمة أن نتقنها وأن نتفهّمها؛ فنؤدّي حقها ونحييها وإحياء اللغة العربية القيام بها، کقوله تعالى: «أَقِيمُوا الصَّلاة» أي إحياء الصلاة، فواجبنا نحوها یکون بإحیاءها، ونحن في قرية عجمية بعيدة عن مراكز اللغة العربية، فعلينا أولًا أن نعشقها، نحبّها من أعماق قلوبنا، لماذا؟ لأنها لغة الحبيب، والإنسان يحبّ من الحبيب كلّ شيء؛ فيحبّ جميع أوامره وكل ما يرتبط به، وكلام الحبيب هو اللغة العربية، ومن أداء الشكر فشكرها أن نعشقها، ولأجل هذا نشاهد في كلام السلف وكبار هذه الأمة أنهم كانوا يوصون أبنائهم وأحفادهم وتلاميذهم بإحياءها، وكانوا يعشقون لغة القرآن والسنة، وهي لغة الدين، وأهل الجنة، والثقافة الإسلامية، والأهمّ أنها لغة حضارتنا وديننا! ولا بدّ لنا أن نوجد هذا الحبّ والعشق في قلوبنا وفي قلوبنا تلاميذنا؛ لأنها منا ومن ديننا، وهل من أهل الدين من يبتعد عن بعض الدين، فكما لدينا حميّة بالنسبة إلى الصلاة والزكاة فكذلك اللغة العربية هي من شعائر الدين، فلو لم يكن من شعائر الدين لما كان مجالًا للمستشرقين والمعاندين والملحدين على محو هذه اللغة؛ فكم ركّزوا على تضعيفها وتغييرها وتبديلها باللهجات المحلية مكان اللهجة العربية الفصحى!
انظروا إلى البلاد العربية وهم لا يعرفون اللغة الفصحى! فلابد أن تتكلم باللهجة. كان من الأمور المهمة لدى المستشرقين والمهاجمين في الغزو الفكري والثقافي محاربة اللغة الفصحى؛ ولأجل هذا كبار هذه الأمة وأعلامها ركّزوا على صيانة اللغة العربية؛ فإن لم يكونوا من العرب.
فجهودنا نحو اللغة العربية مباركة لاتضيع أبدا ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعطينا الثواب كما في الصلوات النافلة وقراءة القرآن والصوم.
ونكتة تذكرتها في الطريق عن العلامة ابن تيميه رحمه الله من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم «إن اللغة العربية لها آثار في العقل والخلق والدين». فنحن أيضا شاهدنا في حياتنا وحياة تلاميذنا وزملائنا هذه الآثار.
فكيف يؤثر في العقل؛ إذا أتقن أحد نطقا وكتابة مع الرعاية الأدب العربي بكمالها أن یعرفها بأصولها وقواعدها من الصرف والنحو في الكلام، فهذا يفتح وعقله، فتقوي القوة المدركة، ويكون فطنا ذكيا؛ فإننا جرّبنا الذين يدرسون في المعاهد العربية و الآخرون، بينهم بون شاسع.
فالذين يتخرجون من المدارس والجامعات الإسلامية عندهم مشكلة خاصة، فربما یواجهون المشاكل بالنسبة إلى درك المفاهيم، فمثلا يطالع كتابا فيحتاج إلى فهمه أن یرکّز كثيرا، فأما الذي له سلطان في اللغة العربية، فأي نصّ يواجهه فيفهمه ويدركه فلهذا نقول تؤثر اللغة في العقل.
وكذلك تؤثر في الخلق! فقلما سمعنا أن اللغة العربية تؤثر في خلق الدارس؛ فكل اللغة تؤثر في أخلاق المرء، فالمصطلحات الإنجليزية كـ»مرسي» مكان جزاك الله خيرا التي تنبئ عن الجزاء والألوهية والدعاء، وفي كل يوم تقول هذا المصطلح مرات عديدة؛ فهي تؤثر في العقيدة والخلق.
فأما المصطلحات العربية مصطلحات القرآن والحديث؛ ففي كل اصطلاح درس وذكر وإشارة إلى التوحيد والسنة.
وكذلك تؤثر اللغة في الدين فأمّا فهم الدين والقرآن فرض ولا بد للمسلم أن يفهم القرآن والسنة، فكلما يتوقف فهمه على الفرض فهو أیضا فرض ومن هنا نفهم أن فهم اللغة العربية فرض ولازم على المسلم.
فهذه انطباعات من كلام ابن تيميه -رحمه الله- كمقدمة بالنسبه إلى اللغة العربية.
فلابد أن نهتم كثيرا جدا ونقدّم النشاطات الكثيرة في مجالها، ولابد من ثورة حتى تحيا اللغة العربية في هذه الجامعة، فإذا يتخرج أحد من هذه الجامعة ويلتحق بأي معهد ومركز علمي فيقال: إنه رجل عربي أبا وأمّا ولا يُفهم أنه عجمي.
ولديكم ميزة أخرى أن اللغة العربية لبثّ الدعوة الاسلامية ولنشرها، فلا بد أن نكون أصحاب طموح فلا نکتفي أننا دعاة فارسيين فقط، فعلينا أن نخاطب العالم جميعا، فالعالم يهتم بالعربية وسوف تتهیأ فرصة حتى نخاطب وجوها أخرى غير هذه الوجوه التي نراها يوما وليلة، ربما نشترك في المحافل العالمية ونخاطب العالم.
والتحولات التي حدثت في العالم وعلى رأسها هو هزیمة الغرب والثقافة الغربية وعلى رأسها زعيمها أمريكا، فعندما انهزمت الشيوعية والاتحاد السوفيتي، فلا روسيا بعده ولا شيوعية اليوم، وعندما انهزمت أمريكا في أفغانستان فنقول فلا أمريكا بعده، الزعامة الأثيمة الغربية انهزمت وستبقى الزعامة الإسلامية، فنحن في هذا المجال سنخاطب عالما كبيرا وجموعا كثيرة.
فذهبنا إلى تركيا لحفلة عقدتها حركة حماس في إسطنبول تهيأ فرصة لنتكلم، فقلنا: لا فائده في الشعارات الجوفاء التي رفعتموها في العواصم! فما هي النتيجة ولماذا لا نستفيد من تجربة الأفاغنة من خلوصها وصدقها وحقيقتها، لا الشعارات الوحدة، واستقبلوا هذه التجربة ونظروا إلى هذه الثلة في أفغانستان نظر إعجاب وتقدير وحفاوة وإكرام، وهذه الثلة نرتبط بها فكريا ومنهجيا، ونفتخر بهذه المجموعة، قوم رفعوا راية الإسلام في القرن الأخير دون أن يرتبطوا بالشرق ولا بالغرب؛ فقام على ساقيها مرتفع الرأس ولديها فكرة وسطية، تستقبلها الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية ليس فيها إفراط ولا تفريط.
فالموضوع الأساسي أنه حدثت في العالم تغييرات أساسية، فطالب أفغاني أصبح الآن وزيرا أو رئيسا يخاطب العالم، فنحن نتفاءل أننا سوف نخاطب العالم وسنكون هكذا، فنحن لا نكتفي بالفارسية فقط؛ بل بالعربية والإنجليزية. والظروف الراهنة تجبرنا أن نشقّ هذا الغطاء الذي طالما كان علينا ونكون رجلا غير الذي كنا قبله ونكون أصحاب طموح أكثر من قبل.
فنحن جميعا استفدنا من المائدة التي بثّت عندنا في دار العلوم بزاهدان، فهي استفادت من دار العلوم «كراتشي» ومن ندوة العلماء والشيخ محمد قاسم القاسمي حفظه الله عميد اللغة العربية في إيران لما أقام حفلة نادي اللغة العربية، لا يبلغ عدد المشاركين عن أنامل يد في ليالي الجمعة وكان يشكو عن قله المشاركين والآن الحمدلله لكل فصل نادٍ خاص له.
والصحوة الإسلاميه كانت في البداية تكتب باليد وكم كنا نفرح بها والحمد لله الآن صارت مجلة كبيرة ضخمة عالمية.
ولابد للغة العربية والفارسية والإنجليزية من الشحن، والشحن ليس عندنا مع ملء البطن وتقوية العضد، والشحن يكون في الكلام فربما تخرج كلمة من فم رجل ترتفع في الآفاق وتستقبلها أذن صاغية وتتلقفها، وذاك الشحن هو الخلوص والصلة مع الله عز وجل الذي أنزل القرآن بالعربية وعلّمناه، فلا بد لنا أن يكون لدينا وقت خاص لنتصل بالله عز وجل ولا نثق على عقولنا وقوّاتنا و نطقنا، فالأول والآخر هو الله عز وجل؛ فإذا انقطعت صلتنا سنخیب ونخسر، والذي ينجح ويفوز هو الذي يتصل دائما بالمولى عز وجل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.