حمدا لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلاة وسلاما علی رسول الله حبيب إله العالمين وعلی أصحابه منارات الهدی واليقين ومن تبعهم بإحسان إلی يوم الدين. «مِن َالْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وما بدلوا تبديلا».(الأحزاب/۲۳) وقال النبي ـ صلی الله عليه […]

حمدا لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلاة وسلاما علی رسول الله حبيب إله العالمين وعلی أصحابه منارات الهدی واليقين ومن تبعهم بإحسان إلی يوم الدين.

«مِن َالْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وما بدلوا تبديلا».(الأحزاب/۲۳)

وقال النبي ـ صلی الله عليه وسلم ـ :«خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».(سنن أبي داود/۳۶۵۹)

أريد أن ألقي نظرة عابرة إلی القرون المزدهرة للأمة الإسلامية ونقر أعيننا بذكر رجال الذين لم يلههم شيئ عن ذكر الله وإقامة الصلوة والحدود الإلهية، الذين لم يخافوا في الله لومة لائم، وقضوا نحبهم في سبيل إعلاء كلمة الله.

الباعث الذي دفعني إلی أن أمرّ القلم علی القرطاس هو عدم الالتفات في هذا الزمن إلی حياة رجال عباقرة في تاريخ البشرية وفي الحقيقة هم الذين خيرة بني آدم بعد الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهولاء مشوا علی نهج الرسول ـ صلی الله عليه وسلم ـ في كل لحظة ولمحة من حياتهم الطيّبة ولعبوا دروا أساسيا لنشر وصيانة الشريعة الإسلامية وأتوا بالروائع الإيمانية الخالصة لا نظير لها في تاريخ الشرائع من كان قبلنا من الأمم السابقة.

نعم! لو تصفّحنا أوراق التاريخ نری رجالا هم شموس الهداية ونجوم الدراية والرواية وتلألؤا في سماء البشرية وأرشدوا الإنسانية إلی السعادة الأبدية وجددوا الدين بالصبغة الإلهية في كل عصر ومصر ونتمثل فيهم الإنسانية بجميع نواحيها وجوانبها وتربّوا تربية خلقية روحية سامية ومهّدوا الطريق لمستقبل هذه الأمة ولسير الأمم الإنسانية نحو الكمال الروحية والخلقية و أرقی مراتب الكمال للإنسان ونفخوا فيهم روحا جديدا وأنجاهم من الغرق في الشهوات والميول النفسانية والخوض في زخارف الحيوة الدنيا وبهجتها وزهرتها وحقّقوا الإيمان بكل معانيه وسابقوا إلی الخيرات وسارعوا إلی مغفرة من ربهم وحرصوا وحرّضوا علی أنواع البر وغرسوا شجرة الإيمان في قلوب الشعوب والأمم وأحيوا فيهم جميع جوانب الحياة الإسلامية وطبقوا شريعة الإسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية ودرسّوا الإنسانية درس الإيثار والتضحية و التفاني في سبيل مجد الإنسانية.

أری من المناسب أن نعرف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ونعرّفهم بما وصفهم الله عزّ وجلّ في كلامه وهو خير واصف وكلامه خير كلام، ثم من أقوال سيد الكونين ـ صلی الله عليه وسلم ـ وهو معلّمهم ومربّي الجيل الأول من هذه الأمة ومن أقوال السّلف الصالح من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم من الأمة.

لقد وصف الله عزّوجل أصحاب رسوله ـ صلی الله عليه وسلم ـ في عدة السور من القرآن، فقال تعالی في أوائل سورة الأنفال،«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا».(الأنفال،۲ـ۴)

وقد جاء في أواخر سورة الأنفال قوله ـ تعالی ـ«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا».(الأنفال،۷۴)

قال ـ تعالی ـ في سورة الفتح«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ  

لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا».(الفتح،۲۹)

وقوله تعالی في سورة التوبة«وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ».(التوبة،۱۰۰)

ولكن الآيات في فضل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كثيرة قد ذكرت بعضا منها. ولامجال لذكر جميع الآيات في هذه المقالة الموجزة.

الآن أذكر بعض الأحاديث النبوية التي ورد في نعت الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأقوال السّلف الصالح من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم، في وصفهم.

روی البخاري عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنهما ـ يقول: قال رسول الله ـ صلی الله عليه وسلم ـ «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم – قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا – ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السّمن».(البخاري،۳۴۵۰)

روی مسلم عن أبي بردة عن أبيه قال:«صلينا المغرب مع رسول الله ـ صلی الله عليه وسلم ـ ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء قال فجلسنا فخرج علينا فقال ما زلتم ههنا؟ قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء قال: أحسنتم أو أصبتم قال: فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبن النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون».(مسلم،۲۵۳۱)

روی البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلی الله عليه وسلم ـ:«لا تسبّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه».(مسلم،۳۴۷۰)

وقال فيهم عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم».(شرح السنة للبغوي،۱/۲۱۴،۲۱۵)

وروى أحمد بن مروان المالكي في المجالسة عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب رسول الله ـ صلی الله عليه وسلم ـ لايثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء فقال: هرقل وهو على إنطاكية لما قدمت منهزمة الروم ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشرا مثلكم قالوا بلى قال: فأنتم أكثر أم هم قالوا بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن قال فما بالكم تنهزمون فقال: شيخ من عظمائهم من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم ومن أجل إنّا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغصب ونظلم ونأمر بالسخط وننهي عما يرضي الله ونفسد في الأرض فقال أنت صدقتني.(البداية والنهاية،ج۷،ص۱۵)

وقال الخطيب البغدادي ـرحمه الله ـ في الكفاية: لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن.(الكفاية في علم الرواية،ص/۶۳، باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة)

قال ابن الصلاح في علوم الحديث: إن الامة مجمعة علی تعديل جميع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ…  .(علوم الحديث،لابن الصلاح،ص/۲۹۵)

وقال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله ـ صلی الله عليه وسلم ـ فاعلم أنه زنديق، وذلك ان الرسول عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى الينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ـ صلی الله عليه وسلم ـ ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح أولى بهم ، وهم زنادقة.(تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ۱۹/۹۶)

قال الشاعر فيهم:

فالقادسية مايزال حديثُها      /     عِبَراَ تضيء بأطيب الألوان

تحكي مفاخَرنا وتذكر مجدَنا    /     فتجيبها حِطّين بالمنوال

صفحات مجد في الخلود سطورُها   /   دان الرجال لها بغير جدال

وكأنني بابن الوليد وجنده   /      وبكلِّ كفٍّ لامع الأنصال

نشروا على أرض الخليل لواءهم   /   فغدا يظلّلُ أطهر الأطلال

وعن اليمين أبو عبيدة قد أتى  /    وأتى صلاح الدين صوبَ شمال

يَسعى إليهم قد شَرَوْا أرواحهم  /    لله بعد تسابق لقتال

فهم الأعزّةُ في كتاب خالدٍ    /    ما بعد قول الله من أقوال

قدّمت نعت أصحاب الرسول ـ صلی الله عليه وسلم ـ بما ورد في القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ دفاعا لعرض هولاء الكرام البررة ـ رضي الله عنهم ـ من طعن سخائف العقول والمنطق لأنّ العصر الذي نعيش قد كثر فيه قيل وقال وهجم ودخل النت في جميع جوانب الحياة وسيطر عليها ومن جانب آخر نری اضطراب الموازين والضوابط في المجتمعات والعلاقات الدولية بين البلاد. والأمور تجري لما أراد شرذمة قليلة من الذين لاعلاقة بينهم و بين المنطق والعقل السليم والعلم النافع ولا نری فيهم النصيحة الخالصة لعامة الشعب وخاصتهم. ويحاولون غسل أدمغة الشباب و ضلالة الشيوخ بجميع ما في أيديهم من الأجهزة.

يلزم علی أهل القلم والمنابر أن يذودوا عن عرض هولاء البررة الكرام بإلقاء الخطابات المثيرة في مجالات مختلفة وبتأليف وترجمة الكتب خاصة بالفارسية وتوزيعها في أوساط الناس وعقد حفلات لأصناف الناس في المساجد والأمكنة العامة والجامعات الدينية وغيرها. اليهود وأعوانهم يريدون تشويه الإسلام بالطعن فيهم، ووقوع بعض الجهلة من هولاء في الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ حينا بعد حين في مجالات شتی.

ينبغي أن نتعرّف علی سيرة تلاميذ النبي ـ صلی الله عليه وسلم ـ ونزداد معرفة ولأنّهم تعلّموا القرآن حين ينزل علی قلب الرسول ـ صلی الله عليه وسلم ـ وهو ـ صلی الله عليه وسلم ـ يرشدهم ويسددهم في هذا الأمر وكانوا مولعين باتباع حبيب إله العالمين في جميع حركاته و سكانته ـ صلی الله عليه وسلم ـ لهذا نجدهم أحسن ناقلين سنته وآثاره ـ صلی الله عليه وسلم ـ للأمة الإسلامية. علينا أن نربّي الجيل الناشئ، تربية إسلامية كي يأمنوا من تيار الشهوات والنزوات الخلابة وتزوير الأعداء الألداء في البيئات المختلفة، لأن طوفان فساد المادية وتلبيس الدجالين في هذه الآونة الأخيرة حمل من الرذايل الأخلاقية وفساد العقائدية في المجتمعات ما لاحد لها ولاحصر. نرجو من الله تعالی أن ينشاء جيل ربّاني ويعيدوا المجد والعزّ للإسلام والمسلمين وأن يفتخروا بماضيهم المشرق وما ذلك علی الله بعزيز.

 

ابراهیم یوسف بور