عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في قوله عزّوجل: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا» قال: «علّموا أولادكم وأهليكم الخير». ولذلك قرر الإمام الغزالي -رحمه الله- في رسالته: «أيها الولد»:»أن معنى التربية يشبه عمل الفلاح الّذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع؛ ليحسن نباته ويكمل ريعه».

الحمدلله رب العالمين جعل الأولاد الصالحين قرة أعين لآبائهم الصالحين، بعد عصر الثورة الصناعية في الغرب وانتشار التقدم التكنولوجي وبداية عصر الاكتشافات والاختراعات تغير نمط الحياة الاجتماعية لديهم، وارتبطت العلاقات الاجتماعية بالمادة والآلة ارتباطا وثيقا، وتغيّرت القيم الأخلاقية؛ فظهرت الحاجة الماسة إلى التربية لقيادة نواصي الناشئة إلى الأهداف الجليلة والغايات الخطيرة التي يرسمها الإسلام للأجيال بكل حكمة، فلذا ازدادت أهمية التربية يوماً بعد يوم؛ لأنها شيء هامّ لإيجاد الإنسان المتكامل القادر على تحقيق الأهداف الإسلامية من عمارة الأرض والعبودية والاستخلاف. ومسألة تربية الأولاد من أهم المسائل التي تجدر العناية بها؛ فإن الطفل أول ما يرى من الوجود منزله وذووه، فيرتسم في ذهنه أول صور الحياة، فتتشكل نفسه المرنة القابلة لكل شيء المنفعلة بكل أثر بشكل هذه البيئة الأولى. يقول الإمام الغزالي:»الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة، وهو مائل إلى كل ما يمال به إليه؛ فإن عُوّد على الخير و عُلّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدّب، وإن عُوّد على الشرّ وأهمل إهمال البهائم شقِي وهلك وكان الوزر في رقبة القيٌم عليه والولي له».
يقول الرسول -صلي الله عليه وسلم-: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه».رواه البخاري. وأشار إلى هذا أبو العلاء بقوله:
وينشأ ناشئ الفتيان منّا
على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجىً ولكن
يعوّد التديّن أقربوه
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في قوله عزّوجل: «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا» قال: «علّموا أولادكم وأهليكم الخير». ولذلك قرر الإمام الغزالي -رحمه الله- في رسالته: «أيها الولد»:»أن معنى التربية يشبه عمل الفلاح الّذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع؛ ليحسن نباته ويكمل ريعه».
و قد أكد الإمام ابن القيّم -رحمه الله- في هذه المسئولية فقال: قال بعض أهل العلم: إن الله تعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل عن والده؛ فإنه كما أن للاب على ابنه حقا فللابن على أبيه حق. وإن من أول الإكرام للولد و البرّ به أن يحليه باسم حسن وكنية لطيفة؛ فإن للاسم الحسن موقعا في النفوس مع أول سماعه. وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسماءكم وأسماء آباءكم؛ فاحسنوا أسماءكم»
والثاني: حلق شعر الطفل؛ وذكر ابن إسحاق -رحمه الله- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة -رضي الله عنها- حينما ولدت الحسن: «يا فاطمة! احلقي رأسه وتصدّقي بزنة شعره فضّة». فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم.(رواه الترمذي).
والثالث: الختان؛ ومن شدة تأكيد الإسلام على الختان أنه -صلى الله عليه وسلم- إذا أسلم رجل ولم يكن مختونا أمره بالختان والغسل، وروى أحمد عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء».
ونستلهم هذه الأساليب التربوية مما يصل إليه الفكر والاستنباط من خلال الأحاديث ومعاملة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الاطفال، والأساس الأول في تربية الولد هو القدوة الحسنة، وللقدوة الحسنة أثر كبير في نفس الطفل؛ إذ كثيرا
ما يقلد الطفل والديه؛ فإنهم يقتدون بهم، فإن وجدوا أبويهم صادقين سينشئون على الصدق، وهكذا في بقية الأمور، ويأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوالدين أن يكونا قدوة حسنة في خلق الصدق أثناء تعاملهم مع الأطفال وقال النبی -صلى الله عليه وسلم-: «من قال لصبيّ تعال هاك! ثم لم يعطه فهي كذبة»(رواه أحمد). والأساس الثاني: تحيّن الوقت المناسب للتوجيه؛ إن اختيار الوقت المناسب المؤثر في الطفل يسهل ويقلل من جهد العمليّة التربوية؛ فإن القلوب تقبل وتدبر، فإن استطاع الوالدان زمن إقبال قلوب أطفالهم توجيهم فإنهم سيحققون فوزا كبيرا بعملهم التربويّ، وقد قدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- لنا ثلاثة أوقات أساسية في توجيه الطفل، فما هذه الأوقات؟
الأول: النزهة والطريق والمركب، فحديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال:»كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما فقال: «ياغلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله»(رواه الترمذي)
وهذا الحديث يدل على أن هذه التوجيهات النبوية كانت في الطريق وهما يسيران إما مشيا على الأقدام أو سيرا على الدابة وإنما في الهواء الطلق حيث نفس الطفل أشد استعداد للتلقي وأقوى على قبول النصائح والتوجيهات، والثاني: وقت الطعام؛ فإن في هذا الوقت يحاول الطفل أن ينطلق على سجيته، فيتصرف أفعالا تخل بالآداب أحيانا، وإذا لم يجلس الوالدان معه باستمرار فالطفل سيبقى في براثن العادات السيئة المنفّرة، وأيضًا روى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنه قال:»كنت غلاما في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ياغلام سمّ الله تعالى وكل بيمينك و كل مما يليك» فما زالت طعمتي بعد.
والثالث وقت مرض الطفل: المرض يلين قلوب الكفار القساة، فما بالك بالأطفال الذين ما زالت قلوبهم عامرة باللين وحسن الاستقبال؟! فالطفل عندما يمرض يجمع بين سجيتين عظمتين في تصحيح أخطائه وسلوكه وحتى معتقده، وقد وجّهنا إلى هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزار طفلا يهوديًا مريضًا ودعاه إلى الإسلام وكانت الزيارة مفتاح عهد النور لذلك الطفل، أرأيت كيف كان هذه الطفل يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يدعه إلى الإسلام بعد، إلى أن وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- الوقت المناسب لدعوته، فأتاه وعاده ودعاه إلى الإسلام.
والأساس الثالث: العدل والمساواة بين الأطفال: وهذا ركن ثالث مخاطب به الوالدان للالتزام به، ليستطيعا تحقيق ما يريدان، ألا وهو العدل والمساواة بين الأطفال إذ لهما كبير الأثر في مسارعة الأبناء إلى البرّ والطاعة، والله تعالى ذكر قصة إخوة يوسف -عليه السلام- في القرآن الكريم حينما شعروا أن أباهم يحبّ يوسف أكثر منهم، فرموا أباهم بالخطأ: «إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»، فكانت نتيجة قناعتهم هذه أن يقدموا على عمل مشين في حق الأخوّة والأبوّة فقالوا: «اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ»؛ فصار عدم المساواة في حبّ الأولاد مؤدّيا إلى الخلاف والتنازع بينهم، وأيضًا أكّد النبي -صلى الله عليه وسلم- على المساواة والعدل بين الأولاد؛ حتى قال في حديث عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- ثلاث مرات: «اعدلوا في أولادكم، اعدلوا في أولادكم، اعدلوا في أولادكم»(رواه أحمد وأبو داود)
ومن شدّة يقظة السلف الصالح أنهم كانوا يعدلون بين أبناءهم حتى في القُبلة استجابة لنداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و تنفيذا لأمره.
وعلى الوالد أن يفكّر في تأديب طفله منذ الصغر؛ فإذا تجد أية وسيلة مع الطفل فهذا يعني أن الطفل بحاجة إلى علاج بالتأديب لكي يحسّ بأن الأمر جدّ ولاهزل فيه، فيعرف قيمة الحنان والعطوفة التي تدفقت عليه من والديه قبل التأديب. وإن التأديب ليس عملا انتقاميا من الطفل، وإنما هدفه تربوّي، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لأن يؤدّب الأب ابنه خير له من أن يتصدق بصاع» وقال أحد الفلاسفة: «إن أكثر الناس إنما أتوا في سوء مذاهبهم من عادات الصبا، إذا لم يتقدمهم تأديب وإصلاح أخلاقهم وحسن سياستهم». و قال الشاعر:
وإن من ادّبته في زمن الصبا
كالعود يُسقى الماء في غرسه
حتى تراه مورقا ناضرا
بعد الذي أبصرت من يبسه
والشيخ لايترك أخلاقه
حتى يوارى فى ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى جهله
كذا الضنا عاد إلى نكسه
وبعد تأديب الطفل ينبغي للوليّ أن يبدأ بتعليمه القرآن منذ صغره وذلك ليتوجه إلى اعتقاد أن الله تعالى هو ربّه، وأن هذا كلامه تعالى، وعن علي كرّم الله وجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم وحبّ آل بيته وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه مع أنبيائه و أصفيائه»(رواه الطبراني)
وأهم المسائل التي ليقم الأولياء بإجرائها هي مسئلة الصلاة وتوجيه هذا الأمر للطفل بأن يقف الوالد معه في الصلاة وذلك في بداية وعيه و إدراكه يمينه من شماله. وقد عيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سنّ تعليم الطفل الصلاة فقال: «مروا الصبيّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها»(رواه أبو داود). وإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَيبشّر الأطفال الذين نشأوا على عبادة الله عزّ وجل بشارة عظيمة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من ناشئ ينشأ في العبادة حتى يدركه الموت إلا أعطاه أجر تسعة و تسعين صدّيقا»(رواه الطبراني)
وهناك شيء آخر يرفع درجة الإنسان على الخلائق حتى الملائكة وهو العلم، فيجب على الوالد أن يغرس حبّ العلم وآدابه في الطّفل؛ فلأجل هذا وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- قاعدة أصيلة بكسب مرحلة الطفولة في التعلّم وطلب العلم تناقلتها الأجيال كلها جيلا بعد جيل وهي: «طلب العلم فريضه على كل مسلم «. و قال الشاعر:
أراني نسيت ما تعلمت في الكبر
ولست بناس ماتعلّمت في الصغر
وما العلم إلاّ بالتعلّم في الصبا
وما الحلم إلاّ بالتحلّم في الكبر
وما العلم بعد الشيب إلّا تعسّف
غذا كل قلب المرء والسمع والبصر
ولو فُلق القلب المعلَّم في الصبا
لأبصر فيه العلم كالنقش في الحجر
ومما فصّلنا القول عنه يتبيّن لنا أنّ للإسلام منهجا كاملا وطريقة متميّزة وأسلوبا فريدا في إعداد الولد الايمانيّ والخلقيّ وفي التربية الجسمية والاجتماعية ليكون في المستقبل إنسانا صالحا متوازنا سويّا ذا عقيدة وخلق ورسالة ينهض بأعباء ويضطلع بمسئوليات وينتهي في الخاتمة إلى غاية الغايات، ألا و هي رضوان الله عزّ وجل والفوز بالجنة والنجاة من النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
…………………….
المنابع:
1- كتاب تربية الأولاد في الإسلام لعبدالله ناصح علوان
2-كتاب التربية النبوية للطفل لمحمد نور بن عبدالحفيظ سويد
3-المنهج التربوي الإسلامي لبشارمحمدرضا القهوجي

  • نویسنده : سعيد أحمدي