لم یمض من تلك اللیلة إلا قلیل، لیلة من اللیالي التي قلما تمر بنا ونحن نشعر بالراحة والاطمئنان، الملیئة بالنفحات القرآنیة.

الحمدلله والصلاة والسلام علی رسول الله؛
لم یمض من تلك اللیلة إلا قلیل، لیلة من اللیالي التي قلما تمر بنا ونحن نشعر بالراحة والاطمئنان، الملیئة بالنفحات القرآنیة.
أتانا ضیف کریم، وعالم جلیل، عتقت سنه، أبلغه الهرم ومع ذلك کان حفظه الله یبدو أشب من تلامیذه الذین کانوا جالسین أمامه.
إنه الأستاذ فضیلة الشیخ «محمد یوسف رحیم یار خاني» مدیر الجامعة العثمانیة في «رحیم یار خان»، من توابع إقلیم بنجاب بباکستان، ومن الشخصیات السیاسیة البارزة، لو لم یعرّفه أحد فتعرف من صوته للقرآن وأسلوب بیانه و تفسیره آیات التوحید أنه من تلامذة أستاذ التفیسر، العلامة اللوذعي الشیخ عبدالغني الجاجروي.
کان الأستاذ کبقیة الأساتذة في هذه الناحیة من بنجاب یفسر القرآن في خطاباتهم بأسلوب یخصهم، وقد تقع الخطبة لحاجة العصر إلیها موقع قبول حسن في قلوب السامعین، وتبقی رنات صوتهم تتردد في النفوس ردحا من الدهر.
فخطابة الأستاذ بین الطلاب لم تکن أقل مما ذکرت، وللاستفادة نقدم الخطابة إلی القارئین بفصها ونصها:
بعد الحمد والثناء قال: هذه أول مرة حضرت في هذه الجامعة، أسعدنی هذا الحضور في جمع الطلبة.
أیها الأعزاء: أنتم تتعلمون العلوم الشرعیة وهذه لا تتاح لکثیر، ألا وهي میراث الأنبیاء، حیث قال الرسول ــ صلی الله علیه وسلم ــ «إن الأنبیاء لم یورثوا درهماً ولا دیناراً إنّما ورثوا العلم» وإن متعلمه قد نال علی حظ وفیر من الدین.
قد بلغ عدد الأنبیاء نحو مئة وأربعة وعشرین ألف نبي وقیل مئتین وأربعة وعشرین ألف نبي. و هؤلاء هم القادرون علی بیان أهمیة العلم کما حقه.
ذات مرة قام موسی خطیباً في بني إسرائیل وخطب خطبة مثیرة أثرت في الناس. فقام رجل فسأله: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم الناس.
فعتب الله علیه إذ لم یرد العلم إلی الله لأنه کان نبیًا ولیردَّ العلم إلی الله، فأوحی الله إلیه أن عبداً من عبادي هو أعلم منك، قال موسی لفتاه یوشع بن نون: ننطلق حتی نلاقي الذي أمرنا بزیارته، أمره الله – تعالی – أن یحمل حوتاً في مکتل فإذا فقدته فهو ثَمّ.
فانطلقا حتی أتیا صخرة وضعا رؤوسهما وناما، اضطرب الحوت في المکتل فانسل منه وسقط في البحر واتخذ سبیله في البحر سرباً، وأمسك الله عن الحوت جریة الماء فصار علیه مثل الطاق، فلما استیقظا انطلقا بقیة یومهما لیلتهما حتی إذا کان من الغد، إن صاحبه قد نسي أن یخبره بالحوت، قال موسی لفتاه: «آتنا غدائنا لقد لقینا من سفرنا هذا نصبا» فأخبره بما حدث وقال: «أرأیت إذ أوینا إلی الصخرة….» فرجعا یقصان أثرهما حتی انتهیا إلی الصخرة.
علی الرغم من أنه نبي لم یعثر علی ما یبحث عنه لأنه لم یکن یعلم الغیب، إنما لا یعلمه إلاّ الله.
الغیب هو مایمکنك معرفة الأشیاء دون أی سبب، ولا یکشف الإنسان عن شيء إلا بمساعدة الأسباب وهذا لا یُسمی الغیب یقول تعالی:» لا یعلم من في السماوات والأرض الغیب إلا الله».
إن السماوات ملیئة بالملائکة وجنود الله ولا یعلم عددهم إلاّ هو، في السماء بیت یسمی البیت المعمور و هو واقع فوق الکعبة یدخله کل یوم سبعون ألف ملك ولا یعودون إلیه أبداً وهذا یدل علی کثرة جنود الله –تعالی -.
بعد أن خلق الله آدم احتجّ الملائکة علی خلقته فطلبوا الخلافة في الأرض لهم، وابتلاهم الله وعلم الله آدم الأسماء کلها وکما قال تعالی: «وعلم آدم الأسماء کلها…» وسأل الملائکة عن أسماء الأشیاء فظهر عجزهم وضعفهم وقالوا: «قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا» وحتی کان یحتوي علمه علی معرفة المتقنین في کل فن.
کان آدم لا یعلم الغیب کما لا یعلمه الأنبیاء غیره؛ لأن الشیطان وسوس له وغرّه حیث قال تعالی: «فوسوس لهما الشیطان …» وعلی رغم النبوة قد خُدِع بمکر إبلیس .
کما أن آدم لا یعلم الغیب فإن الجن أیضا لا یعلم الغیب، بعض الناس یزعمون أن الجن یعلم الغیب ولهم علاقة وصلة بالجِنة .ویُصَدقون ما یخبرهم الجن.
قد سخر الله لسلیمان الجن والإنس والطیر وکانت تلك الأصناف جنوداً مطیعة له لا تخالف أمره ولا تخرج عن طاعته.
أمر سلیمان الجنة أن یبنوا له بناء وفي أثناء الأمر توفي سلیمان متکئاً علی منسأته لکن الجنة جهلوا ذلك بعد إکمال البناء شاهد أحدهم عصا سلیمان ملقاة علی الأرض بالیة قد أکلت بعضها دابة الأرض فعرف أنها عصا الملك سلیمان وإنه لو لم یمت منذ سنوات طویلة ما ألقیت وأکلتها الدیدان فأخبر بني جنسه الخبر فعرفوا أن وفاته قد وقعت منذ سنوات خلت، کما قال تعالی: «فلما قضینا علیه الموت ما دلهم …».
فد بیّن لنا هذه الآیة أن الجن لایعلم الغیب ولو جاء أحدهم بخبر لم یُصدَّق .
من الناس من یعبد القبور ویسجد لها ویطلب منها مطالبها .
یقول الرسول – صلی الله علیه وسلم – « لعن الله الیهود والنصاری اتخذوا قبور أنبیائهم وصالحیهم مساجداً « ویقول عز وجل: « من أضل من یدعو من دون الله من لایستجیب له «، وقال أیضاً: «وإذا حشر الناس کانوا لهم أعداء وکانوا بعبادتهم کافرین».
یخاطب الله الأنبیاء ویقول: « أأنتم أضللتم عبادي أم هم ضلوا السبیل «، فیجیب الأنبیاء: « بل متعتهم وآباءهم…» کل هذه الآیات تدل علی ألا یعلم الغیب إلاّ الله .
بعد أن وصل موسی مجمع البحرین و وجد الخضر، صاحبه وقد قام الخضر بأمورعجیبة وتعجب موسی ودهش. في بدایة الأمر اقتلع الخضر لوحین من خشب السفینة ثم قتل الغلام وأصلح الجدار وقوّم اعوجاجه.
اعترض موسی علی هذه الأفعال وسأل تأویلها.
فأجاب الخضر : أما السفینة، فکانت مُلکاً لبعض المساکین الفقراء، یطلبون رزقهم ولکن ملکاً طاغیا جباراً کان یسطو علی کل سفینة جیدة صالحة فأردت أن أُکافئَ هؤلاء المساکین بأن فعلتُ ما فعلتُ لأعیب السفینة، «أما السفینة فکانت لمساکین …» وتابع الرجل الصالح تأویل ما لم یستطع موسی علیه صبراً.
فقال : أما الغلام الذي قتلته فکان عاقّاً لأبویه عاصیاً لربّه، وکان أبواه مؤمنین فخشیت أن یجُرَّهما إلی الکفر والعصیان «أما الغلام فکان أبواه مؤمنین …» فأما الجدار الذي أصلحته مجّاناً دون أجر، فکان تحته کنز خبّأه رجل کریم لغلامیه الصغیرین .
أما لماذا قام الخضر بهذه الأفعال الثلاث ؟ أراد أن ینبأ موسی بأنه قد فعل مثل هذه الأمور ثم تابع الخضر قال: اخترقت السفینة لصیانتها وأنت وضعتك أمك في صندوق وألقتك في النیل صیانةً لحیاتك، أنا قتلت الطفل لنجاة أبویه وأنت أیضا قتلت القبطیَّ لانتصار قومك، وبعد مدة بعثك الله نبیاً لبني إسرائیل منجیاً لهم.
أنا أقمت الجدار دون أجر، وأنت أیضاً سقیت الأغنام لجاریتین ورعیت الأغنام عشرة سنوات مجاناً .
أنهی الأستاذ کلامه هنا لما مضی من الوقت کثیرا؛ لأن الخطابة بالأردیة والترجمة بالفارسیة استوعبت مدة ساعة کاملة.

 

  • نویسنده : یونس داودي و مصطفی قادري