وما نری الیوم من تظافر أهل الکفر بالأبدان مع تنافرهم في القلوب استنباطا من قول الله تعالی «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ» علی نهب ممتلکات المسلمین بعد ما سلبوا منهم الاستقلال السیاسي ینبهنا نحو المسؤولیة الخطیرة وهي الالتزام بمبدأ الأخذ بالمشترکات ونبذ الخلافیات بعیدا.

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال الله تعالى:
«وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ» أي: أخبرناهم وأعلمناهم وأوحينا إليهم في التوراة:«لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» أي: ليحصلن منكم الفساد في أرض فلسطين وما حولها مرتين، وهذا إخبار من الله تعالى بما سيكون منهم حسب ما وقع في علمه الإلهي الأزلي، وكما قال ابن عباس: أول الفساد قتل زکریا، والثاني: قتل یحیى علیهما السلام: «وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا»
أي: تطغون في الأرض المقدسة طغیانا کبیرا بالظلم والعدوان وانتهاك محارم الله. «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا» أي أولى المرتین من الفساد «بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا» أي: سلّطنا علیکم من عبیدنا أناسا جبارین للانتقام منکم «أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» أي: أصحاب قوة وبطش شدید في
الحرب.
قال المفسرون في هذا الشأن: إن بني إسرائیل لما استحلوا المحارم وسفكوا الدماء سلط الله علیهم «بختنصر» ملك بابل، فقتل منهم سبعین ألفا حتی کاد یفنیهم هو وجنوده وذلك أول الفسادین.
«فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ» أي: طافوا وسط البیت یروحون ویغدون للتفتیش عنکم واستئصالکم بالقتل والسلب والنهب لا یخافون من أحد، «وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا» أي: کان ذلك التسلیط والانتقام قضاء جزما حتما لا یقبل النقض والتبدیل، «ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ» أي: ثم لما تبتم وأنبتم أهلکنا أعداءکم، ورددنا لکم الدولة والغلبة علیهم بعد ذلك البلاء الشدید «وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ» أي: أعطيناکم الأموال الکثیرة والذریة الوفیرة بعد أن سلبت أموالكم، وسبیت أولادکم «وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا» أي: جعلناکم أکثر عددا ورجالا من عدوکم لتستعیدوا قوتکم وتبنوا دولتکم. «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ» أي: إن أحسنتم یا بني إسرائیل فإحسانکم لأنفسکم ونفعه عائد علیکم لا ینتفع الله منه بشيء، «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» أي: وإن أساتم فعلیها، لا یتضرر بشيء منها فهو الغني عن العباد لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصیة، «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ» فاذا جاء وعد المرة الأخیرة من إفسادکم بقتل یحیى وانتهاك محارم الله بعثنا علیکم أعداءکم مرة ثانیة؛ «لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ» أي: بعثناهم لیهینوکم ویجعلوا آثار المساءة والکآبة بادیة علی وجوهکم بالإذلال والقهر، «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ» أي: ولیدخلوا بیت المقدس فیخربوه کما خربوه أول مرة «وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا» أي: ولیدمروا ویهلکوا ما غلبوا علیه تدمیرا.
ثم عاد الیهود إلى الفساد فسلّط الله علیهم المسلمین من الصحابة الکرام، فأخرجوهم من جزیرة العرب کلها، ثم عادوا إلى الفساد المرکوز في نفوسهم، فسلط علیهم «هیتلر» وأذاقهم من العذاب والتنکیل، وفي هذا الأوان قد ظهر وذاع إفسادهم في صورة الکیان الصهیوني وهي إسرائیل الغاشمة، وقد قیّض الله للقیام أمام العدوان السافر للصهاینه فئة مومنة صامدة تقاتل في سبیل الله من أجل تحریر القدس الشریف وتأمین حیاة ذات عز وکرامة لأهل غزة والضاحیة الجنوبیة من لبنان من کتائب وعصائب من حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله في تلك البقاع والذین یمدون إلیهم ید العون، ویتحملون من أجلهم الحظر والتخویف من قبل الطواغیت، ولا یکترثون بشيء، متیقنین بأن النصر حلیفهم، تحقیقا لقول الله تعالى: «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ» والشواهد التاریخیة خیر دلیل على هذا الوعد الصادق.
وما نری الیوم من تظافر أهل الکفر بالأبدان مع تنافرهم في القلوب استنباطا من قول الله تعالی «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ» علی نهب ممتلکات المسلمین بعد ما سلبوا منهم الاستقلال السیاسي ینبهنا نحو المسؤولیة الخطیرة وهي الالتزام بمبدأ الأخذ بالمشترکات ونبذ الخلافیات بعیدا.
فلیحرص المسلم کل الحرص في تحقیق تلك الغایة المنشودة والحلقة المفقودة، ولا یدرك هذه الغایة النبيلة إلا من کان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید.
نسأل الله المولى القدیر أن یحقق النصر القریب والفرج العاجل للمجاهدین المخلصین ویرفع درجة الشهداء ویعید الصحة والعافیة للمصابین، وأن یوفق الحکام والأمراء من المسلمین حتی یوحدوا کلمتهم للقیام بواجبهم الشرعي لمساعدة إخوانهم في خنادق الجهاد والدفاع في فلسطین ولبنان وسوریا والعراق والیمن کما نؤکد أن یقوم الشعوب المسلمة بجانب إخوانهم في فلسطین لتحریر القدس الشریف من براثن الصهاینة الغاشمين، وسیتحقق هذا بإذن الله في المستقبل القریب، فیومئذ یفرح المؤمنون، هذا وصلی الله تعالى على سیدنا محمد وآله الأطهار وصحبه الأخیار.

  • نویسنده : عبد الواحد عليبائي