ولو شمّر الباحث عن الحقيقة بغضّ النظر عن الشعارات والهتافات وطالع تاريخ الحكومات الإسلامية من بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا وقايس بينهما وبين الحكومات الغير الإسلامية من الشيوعية والعلمانية وغيرها محايدًا لا متعصبًا لاعترف قلبه وضميره وارتضى بأن الإسلام يُهدي لرعيته السلامة والأمان والرخاء والحياة من الخيرات التي هي من نتائج دين الفطرة.

عقب هزيمة أمريكا النكراء في أفغانستان هزيمة لم تُسِغها عقول عبيد المادة، فذكروا لها تحاليل مضحكة مادية محضة؛ لاعتقادهم ألوهية أمريكا كما اعتقد آل فرعون في فرعون، حتى أراهم اللّٰه جثة فرعون الهامدة فصدقوه: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ»
عقب هذه الهزيمة بدأت القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي والمحللون العلمانيون وتلاميذهم النجباء يشنون هجمات عنيفة ضد الحكومة الجديدة الزاعمة أنها تريد تطبيق الشريعة في الحكم والقضاء، ويبدون قلقهم وترحمهم الثعلبي للشعب الأفغاني المظلوم المضطهد؛ كأن العادل حل محله الظالم حسب ظنونهم بحجة أن الحكومة الجديدة تريد الإسلام، وغشي العقول الغير الناضجة والعارفة بحقيقة الإسلام كآبة وحزن دائمان وتتوقع إراقة الدماء والضغوط التترية والقلوب القاسية وبثوا في سبيل ذلك دعاياتهم ونداءاتهم وانتظروا ليصطادوا من الماء العكر ويصنعوا من الحبة القبة ويقولون إنهم إرهابيون، وإذا الأمر انقلب عكسًا: قوم رحماء دخلوا فاتحين قادرين المدن والعفو شعارهم في القول والعمل؛ حیث حارت في تحليله الأفكار والعقول فذكروا بفتح مكة وهذا العفو عديم النظير عبر تاريخ الحروب، ليس إلا من معجزة الإسلام وطبيعته المرنة -وليست الحروب الصليبية والحربان العالميتان في القرن العشرين منا ببعيد ما يتندى منها جبين البشر- لم يتعمدوا في هذه الفتوحات مد اليد إلى امرأة أجنبية متعففين عن الزنا المحرم في الإسلام متقين اللّٰه وعذابه، لم يسرقوا مالا ولا متاعا، بل وساد الأمن وكان الشعب الأفغاني يعاني وجود السراق قبلئذٍ ولا تأمن أموالهم وأنفسهم وأعراضهم، أنهكتهم الرشوات للحكام العلمانيين؛ فصارت أثرًا بعد حين.
لا شك أن أمريكا وأذيالها وحلفاءها قضوا عشرين سنة في أفغانستان غزاة ليصدوا عن تأسيس الدولة الإسلامية بقوتهم العسكرية وبنوا لذلك قواعد قوية، وجعلوا بوارجهم حماة لها من مسافات بعيدة، لكنهم انهزموا أمام قدرة اللّٰه الغلابة، وهمة المجاهدين القعساء، والعلماء الربانيين في هذا الجو العلماني الشيوعي الموبوء المخيف؛ وفي رأيي أنهم جاءوا ليؤسسوا دولة علمانية في قلب العالم الإسلامي ومنطقة ذات إستراتيجية جغرافية دينية -حسب ما ورد في الأحاديث- ويجعلوها موئلًا لمكايدهم؛ لكنه كان ما شاء اللّٰه، فنصر جنده وهزم الأحزاب كلها، وخانت المقاييس المادية والإطارات الفلسفية أهلها؛ فظفرت فئة مؤمنة قليلة على فئة كثيرة بإذن اللّٰه.
بعد هذه الهزيمة العسكرية بدأوا حربا إعلامية واسعة النطاق ضد هذه الفئة المؤمنة بحدهم وحديدهم وهي أن الدولة القائمة على حكم اللّٰه لا تجدي نفعًا ولا تُرضي شعبها؛ بل وتجلب لهم الويل والسخط، والأسوأ من ذلك المتنورون المسلمون الذين تأثروا بالغرب وثقافته، ويريدون إسلامًا أوروبيًا.
فنسعى في هذا المقال أن نلقي أضواء على الدولة في إطار الشريعة حتى لا ينخدع جيلنا الشباب بالدعايات المضادّة للإسلام والشعارات الخاوية، ولا يقعوا في شباك أعداء الدين.
من الضروري أن يعلم أولا أن الشريعة لا تكون إلا إلٰهية مستندة ثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة؛ فسواها لا يكون شريعة مهما جرّ اسم الإسلام وادعاه وخالف أصولها المستحكمة القائمة على الكتاب والسنة؛ فينبغي أن يكون الباحث عنها على علم عميق بسيرة رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم- وخلفاءه الراشدين المهديين حتى لا يرتكب استنباطًا شخصيًا؛ كما قال رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم- لمعاذ بن جبل عندما أرسله واليًا على اليمن: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟». قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟». قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللّٰه عليه وسلم-. قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللّٰه عليه وسلم- وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟». قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللّٰه عليه وسلم- صَدْرَهُ وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ». سنن أبي داود
فكون الشريعة إلٰهية يعني أن الشريعة مزيجة بالرحمة والشفقة من قبل اللّٰه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وهو أرحم بعباده ومصالحهم من الأم بولدها الرضيع، فانظر إن شئت إلى حكمة تحريم الربا والسرقة والزناء واللواطة والظلم والسفور و… ينشرح صدرك ويمتلئ إيمانًا بحكم اللّٰه.
ظهرت بعض المظاهرات النسوية في أفغانستان دفاعا عن حقوق المرأة وخوفا من إضاعتها؛ تحريضا من لدن وسائل الإعلام وبعض المتظاهرين بالشفقة، والحال أن المرأة في الحكومة السابقة داست كرامتَها وقداستَها الاتجاهات الغربية العشوائية وتباع كمتاع بثمن بخس؛ وإن تعطيها حق السفور والتبرج تبرج الجاهلية الأولى
فلاستمتاعها الشهواني بالمرأة؛ لأنهم صرعى الشهوات وعبيد المادة لا تحمل فكرة رحمة لها والشركات التجارية المتعاطية للزانيات المترامية الأطراف التي تكون بيد اليهود أدلّ دليل على هذا الادعاء.
بجانب ذلك أكبر سمة للحكومة الشرعية هي العدل بين الرعية على السوية، وهذا هو الذي يدعيه الغرب ظاهر ويحاربه باطنًا؛ لأن العدل يقضي على التحزب والعنصرية، والغرب وعلى رأسهم اليهود في خطر لو أجري العدل وصار بنو آدم سواسية، ولم يبق فضل لشعب على شعب ولا للون على لون آخر كما نشاهد ذلك في العصر الراقي في آمريكا: تبنى بيوت الخلاء في «بنتاغون» مختلفة: للأسود نوع وللأبيض نوع وحافلات للأسود وحافلات للأبيض وفقًا للاتجاه العنصري الذي استأصله الإسلام قبل أربعة عشر قرنًا. والعدل الحقيقي في الحكومة الشرعية يؤمّن الجميع ويهدّئ بالهم، ويشمل الكافر والمسلم والمرؤوس والرئيس؛ والأمثلة في سيرة الرسول -صلى اللّٰه عليه وسلم- وسيرة الخلفاء الراشدين وتاريخ الحكومات الإسلامية متوفرة عملية؛ حيث يقف الباحث عن الحقيقة حائر مشدوها أمامها: «استعدى رجل على علي بن أبي طالب -رضي اللّٰه عنه- عمرَ بن الخطاب -رضي اللّٰه عنه- وعلي جالس فالتفت عمر إليه، فقال: قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك، فقام فجلس معه وتناظرا، ثم انصرف الرجل ورجع علي -رضي اللّٰه عنه- إلى محله،  فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيرا! أكرهت ما كان؟ قال نعم قال: وما ذاك قال: كنيتني بحضرة خصمي، هلا قلت: قم يا علي فاجلس مع خصمك! فاعتنق عمر عليا، وجعل يقبل وجهه»
انظر إلى هذا العدل الذي لا تكاد تصدقه عقول المادة والدعاة إليها؛ والأمم المتحدة لا تحمل من العدل إلا اسمه ولا تزال تدعم الأمم القوية وتسعى في استمالتها نحوها.
وعلى الحكومة الشرعية أن تحارب المفاسد العامة من السرقة والزنى واللواطة وشرب الخمور والرشوة بإجراء الحدود من قطع اليد والرجم والضرب والنفي؛ لئلا تتعدى آفاتها إلى سائر الناس المقيمين في البلد الإسلامي وليسود الأمن والاستقرار.
وكم وكم ثم كم وكم حاولت وسائل الإعلام لترهب الناس من الحكومة على أساس الشريعة مستدلة بأنها تقطع الأعضاء وأرت مشاهد من إجراء الحدود وأرعبت القلوبَ بذلك منها «بي بي سي» و»اينترنشنال» وأخواتها مرتزقة إنجلترا وأمريكا التي صارت مع الأسف موئل الناس في الأنباء؛ ويا ليته استطاع العالم الإسلامي تأسيس أكبر مركز للأنباء يذهب بسيادة هذه القنوات التي تلعب دورًا كبيرًا في تشويه صورة الإسلام وتجميل صورة الغرب بالخداع والمكر والتلبيس وبستر فضائح الغرب وجناياته الحربية وغير الحربية.
فالواقع أن الشريعة الإلٰهية لسدّها الطرق المؤدية إلى إرضاء النفس صارت أعدى عدو الديمقراطية التي تريد الحكم للنفس ونزواتها في صبغة خداعة وشعارات خلابة.
ولو شمّر الباحث عن الحقيقة بغضّ النظر عن الشعارات والهتافات وطالع تاريخ الحكومات الإسلامية من بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا وقايس بينهما وبين الحكومات الغير الإسلامية من الشيوعية والعلمانية وغيرها محايدًا لا متعصبًا لاعترف قلبه وضميره وارتضى بأن الإسلام يُهدي لرعيته السلامة والأمان والرخاء والحياة من الخيرات التي هي من نتائج دين الفطرة.
  • نویسنده: مجتبی أمتي