كانت الساعة العاشرة ليلًا تقريبًا، رنّ جوالي، رفعته فإذا أحد أساتذتي من دارالعلوم زاهدان، الأستاذ الذي كالأب الشفيق لي، والذي يداه تسحّان كأنه لا يخشى الفقر، كان حسن البِشر، حسن الأخلاق، طلق الوجه، رئوفا، كريما، متواضعا، بارا بوالدته، والذي تعلّمت منه الكثير، صاحب همة عالية، له صلة قوية بعالَم الكتب العربية والأردية، وقد تعرّفت على […]

كانت الساعة العاشرة ليلًا تقريبًا، رنّ جوالي، رفعته فإذا أحد أساتذتي من دارالعلوم زاهدان، الأستاذ الذي كالأب الشفيق لي، والذي يداه تسحّان كأنه لا يخشى الفقر، كان حسن البِشر، حسن الأخلاق، طلق الوجه، رئوفا، كريما، متواضعا، بارا بوالدته،
والذي تعلّمت منه الكثير، صاحب همة عالية، له صلة قوية بعالَم الكتب العربية والأردية، وقد تعرّفت على كتب كثيرة وطالعت تحت إشرافه كثيرا، وله الفضل الكبير في جلب كتب كثيرة إلى محافظة بلوشستان وتليها خراسان من معرض الكتب الدولي، وزخرت به وازدانت مكتبات كثيرة، له خبرة في انتخاب المراجع. قد حالفه التوفيق في السفر إلى بلاد كثيرة كسوريا، وبنغلاديش، والإمارات المتحدة العربية، وتركيا، والهند، وباكستان، وماليزيا، وإندونيسا، وأفغانستان و…، وإنّ أمره هذا يذكّرني بالرّحالين القدامى الذين كانوا يجوبون ويطوفون أقاصي البلاد لتلقّي العلم، كثير الصلة بالعلماء الأعلام من هذه البلاد، لا سيما الهند وباكستان، كثير الأدب والاحترام معهم، هذا كله يجعل الإنسان ممتازا، جاء في المثل:
نفس عصام سوّدت عصاما … وعلّمته الكرّ والإقداما … وصيّرته رجلا هماما.
وهو سِكرتارية مجمع الفقه الإسلامي لأهل السنة في إيران، وهو عضو بنّاء من أعضاء دار الإفتاء بزاهدان، وقد دعي إلى بعض المجامع الفقهية الخارجية.
وقد شرّفني وأكرمني الأستاذ الحنون المفتي عبدالقادر العارفي -حفظه الله- لمّا قال: إني أريد النزول ببيتك لدقائق -كان على عجلة وقاصدا مدينة باخرز-.
لا تسأل عن فرحي وسروري، كنت أعدّ اللحظات والثواني لزيارته، فحضر ومعه بعض أساتذة أنوارالعلوم خيرآباد حيث رافقوه وصحبوه إلى بيتي، وأخبرت بعض علماء ريزة، فوصلوا فور الخبر.
دار الحديث بيننا وبين الأستاذ في موضوعات شتّى ضمن تناول الشاي وبعض المكسّرات والفواكه؛ ثم وافق الأستاذ أن يبيت الليل عندي، لأن الطقس والطريق إلى باخرز لم يكونا ملائمين، فزاد الأمر فيّ فرحا، ثم اغتمنت الفرصة فاستجزت منه رواية الحديث لكتاب سنن الترمذي -هو يدرّس الترمذي المجلد الثاني بدارالعلوم زاهدان- أمرني بقراءة الحديث الأول منه فقرأته عليه وأجازني، ثم كتب لي بخطه في الصفحة الأولى للكتاب ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم حضرت ليلة السبت ٢٨/رجب المرجب١٤٤٢هق في بيت أخي في الله وحبيبي عبدالغفار ميرهادي، وكان اللقاء مفاجأة، فتذاكرنا معا بعض المسائل والأمور المهمة، وطلب مني إجازة في الجامع الترمذي، وکتب [متواضعا]: أنا مع قلة بضاعتي أجزته في الترمذي بما أجازني به أساتذتي؛ لا سيما شيخي الحبيب قرة عيوننا العلامة محمد تقي العثماني حينما قرأته عنده بجامعة دارالعلوم كراتشي عام ١٤١١هـ.ق، وأستاذي العلامة المرحوم مولانا غلام محمد -رحمه الله- تلميذ مولانا حسين أحمد المدني، والمحدث الكشميري -رحمهما الله-، وكثير من المشايخ من العرب والعجم، وأوصيه بتقوى الله في السر والعلن، وأن يداوم مطالعة كتب الحديث والعمل بالأحاديث الشريفة، ويشتغل بخدمتها في حياته، وأن لا ينساني في دعواته الصالحة. وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم أجمعين، كتبه [المفتي] عبدالقادر العارفي عفا الله عنه، خادم بدارالعلوم زاهدان، نزيل ريزة حاليا. انتهى.
وأيضا أجازني ما أجازه المشايخ الكبار كالشيخ العلامة محمد عوامة، والدكتور تقي الدين الندوي المظاهري، والشيخ محمد رابع الحسني الندوي -حفظهم الله تعالى-، والشيخ العلامة عبدالحليم النعماني -رحمه الله- وأضاف: إني لأجل التقرب إلى الله وحصول البركة والفيوضات أجيزك رواية الترمذي وتدريسه وإجازته للآخرين.
وقبل المنام أراني الأستاذ بعض المقاطع الصوتية عبر الجوال من الشيخ محمد رابع الندوي، وشيخ الإسلام محمد تفي العثماني -حفظهما الله تعالى-، فتجدد لي عهد داراالعلوم كراتشي وأجواءها العطرة التي قضيت في رحابها سنتين من حياتي الدراسية، سقيا له من عهد، ثم أدخلني في فريق «روائع شيخنا محمد تقي العثماني» في واتساب، وبعد صلاة الفجر بإمامة الأستاذ، ألقى نصائح ثمينة، أوجزها بالاختصار:
_ إيجاد الارتباط والصلة بالعلماء والمدارس.
_ الاجتناب من إعجاب الرأي والاختلاف، وأطنب فيه.
_ مؤازرة وتقوية العلماء الكبار في المنطقة.
_ تشكيل حلق لمذاكرة ومدارسة بعض الكتب للسيد أبي الحسن الندوي -رحمه الله- ثم تناولنا الفطور وبعده أخذ الأستاذ بقراءة شيء من كتاب «كاروان زندگي» للسيد الندوي -رحمه الله- بالأردوية، وقبل مغادرة البيت دعا وأطال فيه، وآل به المطاف.