من الناس من تمضي عليه الأعوام فتنتقصُهم أعمارَهم وهم يحتفلون بالعام الجديد، غافلين عمّا جرى لهم من الخسران والنقصان، مع أنّ العزاء أوفق لحالهم في هذا اليوم.
يتبادل الناس التهنئة هذه الأيام، بقولهم: «كلّ عام وأنتم بخير» وما إلى ذلك من التهانئ وعبارات دُعائية لطول العمر. بمناسبة رأس السنة.
بدءُ العام الجديد في الحقيقة مؤشّر ينبئ بنهاية عام ونقصِه من عمر الإنسان، وبالتالي اقترابه من الأجل والمصير المحتوم.
من الناس من تمضي عليه الأعوام فتنتقصُهم أعمارَهم وهم يحتفلون بالعام الجديد، غافلين عمّا جرى لهم من الخسران والنقصان، مع أنّ العزاء أوفق لحالهم في هذا اليوم.
أجل!
إن مضيّ العام ممّا يكون الجميع فيه سواسية، فليس أحد إلا وقد مضى عليه العام؛ ولكن الحالات المرتبطة بالناس هي مما يختلف ويميّز البعضَ من بعض. فهناك من ينحطّ عمرُه عاما بانقضاء العام لأنه فوّته على نفسه بالغفلة والكسل والتهاون، وآخر يُضاف إلى عمره عام! إذ استفاد من العام المنصرم بما استطاع، وقدّم خلاله أعمالًا طيّبة مفيدة، وكان يومه أفضل من أمسه، قد تعلّم وجرّب ما لم يجرّب سابقا فينتهي العام وهو قد أضيف إلى رصيد أعماله وتجاربه ما لم يكن فيه، مثله يحقّ له التهنئة والفرح والسرور.
فلينظر كلّ امرئ في مثل هذا اليوم هل هو منقوص أم ممدود، بما قدّم وأخّر في العام الذي قد مضى وفات من عمره لئلا يعود أبدًا. وهل يناسب حاله التهنئة أم هو ممن ينبغي للناس أن يقدموا إليه كلما والتعزية. «بل الإنسانُ على نفسِه بصيرةٌ».
ليعلمْ كلُّ من أتاه العام الجديد أنه محظوظ بفرصة جديدة تمنحه التغيير لو أراد، فالذي ضاع منه العام الذي مضى أو الأعوام الماضية ليُدرِك هذا الذي بين يديه، بدل البكاء على اللبن المسكوب.
ليس من الحكمة في شيء التأسف الزائد على الفائت، لأنه قد يشغل الإنسان عن إدراك الحاضر، فيلتحق هذا الحاضر أيضا بالماضي، فلا يزيده إلا بكاء على بكاء وحسرة على حسرة. إن الأمس قد فات ولن يعود أبدا، والغد ما زال في سبات، وعلمه عند الله فقط، وبين يدي المرء اليوم؛ فلا يشغلنّ نفسه بالقادم والذي فات.
لندرك هذا العام، أو ما كُتب لنا منه من الأيام، نستفيد من الثواني والدقائق والساعات، فهي كلها محسوبة من العمر، والله يوفق الإنسان لجبر ما فات، إذا جدّ وعزم وأرى الله منه الخير والهمة والإرادة القوية للتغيير.
المهمّ هو الانتباه واليقظة، وإن البدء في مشروع التغيير ولو بتأخّر، خيرٌ من التمادي في الغفلة، لأنّ البادئ سرعان ما يسبِق الكثيرَ ممّن لم أو لمّا يبدؤوا.
يا حبّذا لو أصبح هذا العام لكل واحد منّا عام التخطيط والعزم على التغيير نحو الأفضل في شؤوننا كلها، فيما يؤدي إلى نفعنا ونفع مجتمعنا ونفع الأمة الإسلامية.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
Sunday, 13 July , 2025