لمّا ظهر الإسلام وقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنشره بين الناس وتعليمهم، حاول تربية أصحابه روحياً فمادياً واستدام هذا النوع من التعليم والتربية في أشكال مختلفة في حلقات التعليم والتربية بالبيوت والمساجد والطرق و… ، و بعد ما طال العهد على هذا التعليم، بحث العلماء عن أساليب جديدة تربوية لأن الطالب كان […]
لمّا ظهر الإسلام وقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنشره بين الناس وتعليمهم، حاول تربية أصحابه روحياً فمادياً واستدام هذا النوع من التعليم والتربية في أشكال مختلفة في حلقات التعليم والتربية بالبيوت والمساجد والطرق و… ، و بعد ما طال العهد على هذا التعليم، بحث العلماء عن أساليب جديدة تربوية لأن الطالب كان يعاني كثيراً من المشقة والكآبة في سبيل العلم، كان المسكين طالب العلم يشق طرقاً مطولة لطلب العلم، يسافر من بلد إلى بلد ماشياً لاستماع الأحاديث، فيصيبه الجوع والظمأ والمرض وما لا يحسبه من الشدائد؛ وربما كان شاب يحب الدراسة ولكنه لايجد الأحوال مساعداً لِكثرة المعوقات في سبيل الدراسة؛ فبعد محاولات مضنية من قبل العلماء بنيت المدارس والجامعات في الشكل الذي نراها اليوم منتشرة في العالم يدرس فيها آلاف من الطلبة في راحة ورخاء.
فكما تبدو أنّ للمدارس والجامعات دور هامّ في سيناريو الحياة، و هي أمّ تربي أولاد المجتمع في حضانتها وهي بيت للأطفال منذ نعومة أظفارهم إلى أن يصيروا شبّاناً يسوقون سيارة أمّتهم إمّا إلى النّمو والرقي، وإمّا إلى التخلف والفشل، ويعود الفضل في ذلك إليها، لأنهم ترعرعوا في رعايتها.
كتابة هذا الموضوع كانت اقتراحاً من أستاذي الكريم الجليل، وبعد ما فكرت فيه وتعمّقت أدركته جديراً بالاهتمام والعناية لما فيه من تربية أبناء المسلمين.
فيا معشر القراء الكرام ما أقلّ اليوم عدد العلماء المخلصين والمصلحين في العالم الإسلاميّ؛هذه قضيّة أشغل بال كثير من المتفكرين من العلماء والعوام. وأنا أعللها في هذه الرسالة ببيان موجز: إنّي أعتقد أن السبب الأساسي والعامل الرئيسي في قلة أهل الصلاح والإصلاح هو عدم التفات المسلمين بالجامعات الدينية ورسالتها العظيمة والتساهل في أمر التعلم و التعليم الديني، في حين كانت الأعداء يبذلون ما في أكفافهم من جهد وطاقة ليعدلوا أبناء المسلمين عن الطريق القويم الذي ينتهي إلى هدفهم السامي الراقي، و إذا تلكّأ قادة الأمّة الإسلاميّة في تعليم شبابها يغتنم العدوّ الفرصة و يكرّ على المسلمين من هذا الصغر حتى يجعلها على شفا جرف من النار، وآلت الأمر إلينا في أسوأ شكلها، والأن يجب علينا أن نذلّل هذه الصعوبة و ننفس هذا الكرب عن حياة المسلمين، ولا يمكن دفعه إلا بشق الأنفس؛ فينبغي لنا أن نجتهد في تحصيل العلم كما حثنا سيد المرسلين ـ صلوات الله و سلامه عليه ـ : «أنّ العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ومن سلك طريقا يطلب به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنّة « (2)
نعم إخواني من يريد أن يدخل الجنة بسهولة فعليه أن يتجرع العلم على أيدي العلماء رويداً رويداً.
أيها القارئ الكريم اعلم بأن العلم إذا احتل مكان الجهل في المجتمع يحمله على معالي الأمور ويعين ذاك المجتمع في سبيل التنمية والرقي إعانة شاسعة ملموسة.
وإن العلم يؤتي صاحبه شرفاً وكرماً وعزّاً كما قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ :
« رأيت العلم صاحبه كريم ولو ولدتْه آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم أمره القوم الكرام « (3)
الجامعات الدينية هي قلب الأمة الإسلامية الذي تحيى به، وهي مركز يخرج منه العلم وينتشر في العالم فلا بد من رعايتها والاهتمام بها، وأصحاب هذه الجامعات هم زعماء الأمة وعدوله،هم الذين يصلحون ما أفسد الناس، وهم الذين يحملون علوم الدين ويتدارسونه بينهم ويُعلّمونه الناسَ، ولايبالون أن يكابدوا في سبيل أداء رسالتهم أي مشقة، فتراهم لا يطيقون على ترك سنة من سنن النّبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ باخعين أنفسهم؛ فطوبى لهم طبقاً لقوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «إنّ الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً،فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي.» (4)
وهؤلاء أمناء الأمة وثقاته، وأرى من الواجب على الناس أن يساعدوهم في شؤونهم بالنفس والمال، وأن يشجعوا الجامعات على طيّ طريق التقدم والسعادة بإرسال أبناءهم الذكية إليها للدراسة والأدب.
ويلزم العلماء أن يدركوا موقفهم ومكانتهم في المجتمع، ويتعرفوا إلى واجباتهم تجاه الأمة، ويشمّروا عن ساعد الجد لإيفاء حقوق الناس وإنقاذهم من حافّة النار بإرشادهم وهدايتهم.
وفي الختام أسأل الله العظيم أن يجعل جامعاتنا مصدر الخير وسبلاً لانتشار السنة النبوية وجسرالنجاة يعبره الناس من الشقاوة إلى السعادة، ومن الكآبة إلى السعادة، ومن النار إلى الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)اقتباس من كتاب أيها الولد للإمام محمد بن محمد أبي حامد الغزا
(2)رواه البخاري في كتاب العلم.
(3)ديوان الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ.
(4)رواه الترمذي في كتاب الإيمان .